للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن لم يكن خَالِصًا لله عبدًا لَهُ قد صَار قلبه معبدًا لرَبه وحده لَا شريك لَهُ؛ بِحَيْثُ يكون الله أحب إِلَيْهِ مِنْ كل مَا سواهُ، ويكون ذليلًا لَهُ خاضعًا، وإِلَّا استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشَّيَاطِين؛ فَكَانَ من الغاوين، إخْوان الشَّيَاطِين، وصَارَ فِيهِ من السُّوء والفحشاء مَا لَا يعلمهُ إِلَّا الله.

وهَذَا أَمر ضَرُورِيٌّ لَا حِيلَة فِيهِ.

فالقلب إِنْ لم يكن حَنِيفًا مُقبلًا على الله مُعرضًا عَمَّا سواهُ، وإِلَّا كَانَ مُشْركًا؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿فأقم وجهك للدّين حَنِيفا فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدَّين القيم ولَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ * منيبين إِلَيْهِ واتقوه وأقِيمُوا الصَّلَاة ولَا تَكُونُوا من المُشْركين * من الَّذين فرقوا دينهم وكَانُوا شيعًا كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ﴾ [الرُّوم: ٣٠ - ٣٢].

وقد جعل الله- سُبْحَانَهُ- إِبْرَاهِيم وآل إِبْرَاهِيم أَئِمَّة لهَؤُلَاء الحُنفاء المخلصين أهل محبَّة الله وعبادته وإخلاص الدَّين لَهُ، كَمَا جعل فِرْعَوْن وآل فِرْعَوْن أَئِمَّة المُشْركين المتبعين أهواءهم؛ قَالَ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم: ﴿ووهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق ويَعْقُوب نَافِلَة وكلًّا جعلنَا صالحين * وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا وأوحينا إِلَيْهِم فعل الخيرَات وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وكَانُوا لنا عابدين﴾ [الأَنْبِيَاء: ٧٢، ٧٣]، وقَالَ فِي فِرْعَوْن وقَومه: ﴿وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار ويَوْم القِيَامَة لَا ينْصرُونَ * وأتبعناهم فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة ويَوْم القِيَامَة هم من المقبوحين﴾ [القَصَص: ٤١، ٤٢]، ولِهَذَا يَصير أَتبَاع فِرْعَوْن أَولًا إِلَى أَلَّا يُميزوا بَين مَا يُحِبهُ الله ويرضاه وبَين مَا قَدَّر الله وقضاه، بل ينظرُونَ إِلَى المَشِيئَة المُطلقَة الشاملة، ثمَّ فِي آخر الأَمر لَا يُمَيِّزون بَين الخَالِق

<<  <   >  >>