للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولَا أَنْ ينظر إِلَيْهِ، ولَا أَنْ يرَاهُ، وإِن رَآهُ اتِّفَاقًا رُؤْيَة مُجَرَّدَة- كَانَ كمن لَو رأى حَائِطًا ونَحْوه مِمَّا لَيْسَ فِي قلبه تعلُّق بِهِ.

والمشايخ الصَّالحون يذكرُونَ شَيْئا من تَجْرِيد التَّوْحِيد وتَحْقِيق إخلاص الدَّين كُله؛ بِحَيْثُ لَا يكون العَبْدُ مُلتفتًا إِلَى غير الله، ولَا نَاظرًا إِلَى مَا سواهُ؛ لَا حبًّا لَهُ، ولَا خوفًا مِنْهُ، ولَا رَجَاء لَهُ، بل يكون القلب فَارغًا من المَخْلُوقَات، خَالِيا مِنْهَا لَا ينظر إِلَيْهَا إِلَّا بِنور الله، فَبِالحقِّ يَسمع، وبالحق يبصرُ، وبالحق يبطش، وبالحق يَمشي؛ فيحب مِنْهَا مَا يُحِبهُ الله، ويُبغض مِنْهَا مَا يبغضه الله، ويوالي مِنْهَا مَا والَاهُ الله، ويُعادي مِنْهَا مَا عَادَاهُ الله، ويخَاف الله فِيهَا، ولَا يخافها فِي الله، ويرجو الله فِيهَا، ولَا يرجوها فِي الله، فَهَذَا هُو القلب السَّلِيم الحنيف المُوَحِّد المُسلم المُؤمن المُحَقق العَارِف بِمَعْرِفَة الأَنْبِيَاء والمُرْسلِينَ وبحقيقهم وتوحيدهم.

فَهَذَا النَّوْع الثَّالِث- الَّذِي هُو الفناء فِي الوُجُود- هُو تَحْقِيق آل فِرْعَوْن ومَعرفتهم وتوحيدهم؛ كالقَرَامطة (١) وأمثالهم.

وأما النَّوْع الَّذِي عَلَيْهِ أَتْبَاع الأَنْبِيَاء فَهُو الفناء المَحْمُود؛ الَّذِي يكون صَاحبه بِهِ مِمَّنْ أثنى الله عَلَيْهِم من أوليائه المُتَّقِينَ، وحِزبه المُفلحين وجنده الغالبين.

ولَيْسَ مُرَاد المَشَايِخ والصَّالِحِينَ بِهَذَا القَوْل: أَنْ الَّذِي أرَاهُ بعيني من المَخْلُوقَات هُو رب الأَرْض والسَّمَاوات، فَإِنْ هَذَا لَا يَقُوله


(١) القرامطة: حركة باطنية هَدَّامة، تَنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث، ويُلَقَّب بقرمط؛ لقصر قامته وساقيه، وهو من خوزستان في الأهواز، ثم رحل إلى الكوفة. وقد اعتمدت هذه الحركة التنظيم السري العسكري، وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وحقيقتها: الإلحاد والإباحية وهدم الأخلاق والقضاء على الدولة الإسلامية.

<<  <   >  >>