للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي قدَّرها الله- جل وعلا- توصل إلى المقصود ويحصل بها هذه المقدرات، فيلغي النظر إلى الأسباب، ويجمع نظره فيما عند الله ، وهذا كما قال المصنف: «نظير النوع الثاني من الفناء»؛ الذي هو نوع نقص. والكمال: أن يعتقد العبد أنه لا مانع لما أعطى ولا مُعطي لما منع، وأن الخير كله في يديه، وأنه جل وعلا قد قدَّر الأشياء بأسبابها، فلا بد من أخذ الأسباب في تحصيل المطالب والمقدَّرات.

ولكن بعد ذلك الفرق الثاني: يشهد تفرق المخلوقات وكثرتها، مع شهادته أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، وأنه هو الله لا إله إلا هو، وهذا هو الشهود الصحيح المستقيم، وذلك واجب في علم القلب وشهادته وذكره ومعرفته، وفي حال القلب وعبادته وقصده وإرادته ومحبته وموالاته وطاعته.

وذلك تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فإنها تنفي عن قلبه ألوهية ما سوى الحق وتثبت في قلبه ألوهية الحق، فيكون نافيًا لألوهية كل شيء من المخلوقات، ومثبتًا لألوهية رب العالمين رب الأرض والسماوات.

وذلك يتضمن اجتماع القلب على الله وعلى مفارقة ما سواه؛ فيكون مفرِّقًا- في علمه وقصده، في شهادته وإرادته، في معرفته ومحبته- بين الخالق والمخلوق، بحيث يكون عالمًا بالله تعالى ذاكرًا له عارفًا به، وهو مع ذلك عالم بمباينته لخلقه وانفراده عنهم، وتوحده دونهم، ويكون محبًّا لله معظمًا له، عابدًا له …

وفي هذا ردٌّ على المبتدعة من الصوفية الذين جعلوا الغاية والمنتهى: تحقيق توحيد الربوبية، وذلك بأن يشهد العبد أن الله هو

<<  <   >  >>