للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هُو الَّذِي أنزل الكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، فالاسم [الله] مُبْتَدأ، وخَبره قد دلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَام، كَمَا فِي نَظَائِر ذَلِك؛ تَقول: مَنْ جَاره؟ فَيَقُول: زيدٌ.

وأمَّا الِاسْم المُفْرد مُظْهرًا أَوْ مُضمرًا، فَلَيْسَ بِكَلَام تَامٍّ ولَا جملَة مفيدة، ولَا يتَعَلَّق بِهِ إِيمَان ولَا كفر ولَا أَمر ولَا نهي.

ولم يذكر ذَلِك أحدٌ مِنْ سلف الأمة، ولَا شرع ذَلِك رَسُولُ الله ، ولَا يُعْطي القلبَ بِنَفسِهِ معرفَة مفيدة، ولَا حَالًا نَافِعًا، وإِنَّمَا يُعْطِيهِ تصورًا مُطلقًا، ولَا يُحكم عَلَيْهِ بِنَفْي ولَا إِثْبَات، فَإِنْ لم يقْتَرن بِهِ من معرفَة القلب وحاله مَا يُفِيد بِنَفسِهِ، وإِلَّا لم يكن فِيهِ فَائِدَة، والشريعة إِنَّمَا تشرع من الأَذْكَار مَا يُفِيد بِنَفسِهِ، لَا مَا تكون الفَائِدَة حَاصِلَة بِغَيْرِهِ.

وقد وقع بعض مَنْ واظب على هَذَا الذِّكر فِي فنون من الإِلحَاد، وأنواع من الِاتِّحَاد، كَمَا قد بسط فِي غير هَذَا المَوْضُوع.

ومَا يذكر عَنْ بعض الشُّيُوخ من أَنه قَالَ: «أَخَاف أَنْ أَمُوت بَين النَّفْي والإِثْبَات»، حَال لَا يُقْتَدى فِيهَا بصاحبها؛ فَإِنْ فِي ذَلِك من الغَلَط مَا لَا خَفَاء بِهِ؛ إِذْ لَو مَاتَ العَبْد فِي هَذِه الحَال لم يَمت إِلَّا على مَا قَصده ونواه؛ إِذْ الأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وقد ثَبت أَنْ النَّبِي أَمر بتلقين المَيِّت: «لَا إِلَه إِلَّا الله» (١)، وقَالَ: «مَنْ كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الجنَّة» (٢)، ولَو كَانَ مَا ذكره محذورًا لم يُلقن المَيِّت كلمة يخَاف أَنْ يَمُوت فِي أَثْنَائِهَا موتًا غير مَحْمُود، بل كَانَ


(١) أخرج مسلم (٩١٦) عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله : «لَقِّنُوا موتاكم: لا إله إلا الله».
(٢) أخرجه أبو داود (٣١١٦)، والحاكم في «المستدرك» (١/ ٣٥١)، وقال: «صحيح الإسناد»، وصححه الألباني في «أحكام الجنائز» مسألة رقم (٢٥).

<<  <   >  >>