للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُلقن مَا اخْتَارَهُ مِنْ ذِكر الِاسْم المُفْرد.

والذِّكر بِالِاسْمِ المُضمر المُفْرد أبعد عَنْ السُّنَّة، وأَدْخل فِي البِدْعَة، وأقرب إِلَى ضلال الشَّيْطَان؛ فَإِنْ مَنْ قَالَ: يَا هُو، يَا هُو، أَوْ: هُو هُو، ونَحْو ذَلِك لم يكن الضَّمِير عَائِدًا إِلَّا إِلَى مَا يُصوره قلبه، والقلب قد يَهْتَدِي وقد يَضل.

وقد صَنَّف صَاحب «الفصوص» كتابا سَمَّاهُ كتاب «الهو»، وزعم بَعضُهم أَنَّ قَوْله: ﴿ومَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله﴾ [آل عمرَان: ٧] مَعْنَاهُ: ومَا يعلم تَأْوِيل هَذَا الِاسْم الَّذِي هُو الهُو، وإِن كَانَ هَذَا مِمَّا اتّفق المُسلمُونَ- بل العُقَلَاء- على أنه مِنْ أبين البَاطِل، فقد يظنُّ ذَلِك مَنْ يَظُنُّهُ مِنْ هَؤُلَاءِ، حَتَّى قلت مرَّة لبَعض مَنْ قَالَ شَيْئًا من ذَلِك: لَو كَانَ هَذَا مَا قلتَه لكُتبت الآيَة: ومَا يعلم تَأْوِيل (هُو) مُنْفَصِلَة.

ثمَّ كثيرًا مَا يذكر بعض الشُّيُوخ أَنه يَحْتَج على قَول القَائِل: (الله) بقوله: ﴿قل الله ثمَّ ذرهم﴾ [الأَنْعَام: ٩١]، ويظن أَنْ الله أَمر نبيَّه بِأَنْ يَقُول الِاسْم المُفْرد، وهَذَا غلطٌ بِاتِّفَاق أهل العلم؛ فَإِنْ قَوْله: ﴿قل الله﴾ مَعْنَاهُ: اللهُ الَّذِي أنزل الكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، وهُو جَواب لقَوْله: ﴿قل من أنزل الكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورًا وهدى للنَّاس تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرًا وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم ولَا آباؤكم قل الله﴾ [الأنعام: ٩١]، أَي: الله الَّذِي أنزل الكتابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، رد بذلك قَول مَنْ قَالَ: ﴿مَا أنزل الله على بشر من شَيْء﴾، فَقَالَ: ﴿مَنْ أنزل الكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى﴾ ثمَّ قَالَ: ﴿قل الله﴾ أنزلهُ ثمَّ ذَر هَؤُلَاءِ المكذبين ﴿فِي خوضهم يَلعَبُونَ﴾ [الأنعام: ٩١].

ومِمَّا يُبين مَا تقدم: مَا ذكره سِيبَويْه وغَيره من أَئِمَّة النَّحْو: أَنْ العَرَب يَحكون بالقَوْل مَا كَانَ كلَاما، لَا يحكون بِهِ مَا كَانَ قولًا.

<<  <   >  >>