للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحبة الله تعالى لا تُنال إلا باتباع رسوله ، واتِّباع الرسول إنما يكون بتحقيق العبودية لله ﷿ ونَبذ الشرك، ولذلك استلزمت المحبة كمال طاعة الله ، بتحقيق ما أمر؛ إمَّا أمر وجوب، وإما أمر استحباب، وكما قال الإمام الشافعي عليه الرَّحمة والرِّضوان:

تَعصي الإلهَ وأنت تزعم حُبَّه … هذا محالٌ في القياس بديع

لو كان حُبُّكَ صادقًا لأطعتَه … إنَّ المحب لمن يحبُّ مُطيع

في كلِّ يومٍ يَبتديكَ بنعمةٍ … منهُ وأنتَ لِشُكرِ ذاكَ مُضيعُ (١)

فبرهان محبة الله ودليل صِدقها في قلب العبد: إنَّما يُنال بطريق العبادة، ولذلك جاء في الحديث القدسي: «وما تَقَرَّب إليَّ عبدي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه؛ فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يَسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويده التي يَبطش بها، ورِجْلَه التي يَمشي عليها، وإن سألني لأعطينه، ولأن استعاذني لأعيذنَّه» (٢).

ولما كانت محبة الله لا تُنال إلا بطريق العبادة، كان لزامًا على العبد أن يسلك هذا الطريق، وأن يجاهد نفسه في سبيل تحقيقها؛ قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ [الكهف: ٢٨]، ولذلك قال شيخ الإسلام هنا: «إن العبادة هي الغاية المحبوبة له»، أي: أنها ما يحبه الله تعالى من عباده، وما رَضِيَها لهم.


(١) انظر: «ديوان الشافعي» (ص ٦٧)، والأبيات من (الكامل التام).
(٢) أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة ?.

<<  <   >  >>