للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقُوَّتها، وبحسب نقصانه يكون نقصانها.

وهذا الاتباع يُوجب المحبة والمحبوبية معًا، ولا يتم الأمر إلا بهما، كما قال بعض الحكماء العلماء: «ليس الشأنُ أن تُحِبَّ، إنَّما الشأنُ أن تُحَبَّ» (١)، أي: في أن يُحِبَّك الله، ولا يحبك الله إلا إذا اتَّبعت حبيبه ظاهرًا وباطنًا، وصَدَّقتَه خبرًا، وأطعته أمرًا، وأجبتَه دعوة، وآثرته طوعًا، وفَنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تَتَعَنَّ، وارجع مِنْ حيث شئتَ؛ فالتمس نورًا فلستَ على شيء (٢).

ومحبة الله ورسوله على درجتين:

الدرجة الواجبة، وهي درجة المقتصدين.

الدرجة المُستحبة، وهي درجة السَّابقين.

فمحبة المقتصدين (الواجبة): تقتضي أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، بحيث لا يحبُّ شيئًا يُبغضه؛ كما قال تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [المجادلة: ٢٢]، وذلك يقتضي محبة جميع ما أوجبه الله تعالى، وبُغض ما حَرَّمه الله تعالى، وذلك واجبٌ، فإنَّ إرادة الواجبات إرادة تامة تقتضي وجود ما أوجبه الله، كما تقتضي عدم الأشياء التي نهى الله عنها، وذلك مُستلزم لبُغضها التام.

فيجب على كلِّ مؤمن أن يُحبَّ ما أحبَّه اللهُ، ويُبغض ما أبغضه اللهُ؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٢٨]، وقال تعالى: ﴿وإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ


(١) انظر: «تفسير ابن كثير» (٢/ ٣٢).
(٢) انظر: «مدارج السالكين» (٣/ ٣٧).

<<  <   >  >>