الثاني: أن يجمعهما موقف؛ إذ من مقاصد الاقتداء اجتماع جمع في مكان؛ كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية، ومبنى العبادات على رعاية الإتباع، ولاجتماعهما أربعة أحوال؛ لأنهما إما أن يكونا بغير مسجد في فضاء، أو بناء، أو بمسجد، أو يكون أحدهما بمسجد والآخر بغيره.
فإن كانا بغير مسجد .. اشترط في الفضاء ولو محوطاً أو مسقفاً مملوكاً أو مواتا أو وقفا أو مختلفاً منها: ألا يزيد ما بين الإمام ومن خلفه، أو من على أحد جانبيه، ولا ما بين كل صفين أو شخصين ممن يصلى خلفه أو بجانبه على ثلاث مئة ذراع بذراع الآدمي وهو شبران تقريباً، فلا تضر زيادة أذرع يسيرة كثلاثة ونحوها كما في "المجموع"، ولا بلوغ ما بين الإمام والأخير من صف أو شخص فراسخ، وهذا التقدير: مأخوذ من العرف، وقيل: مما بين الصفين في صلاة الخوف؛ إذ سهام العرب لا تجاوز ذلك.
ويشترط مع ذلك فيما إذا كانا في بناءين، أو أحدهما في بناء والآخر في فضاء، ولو كان أحدهما في علو والآخر في سفل، أو كان البناء مدرسة أو رباطاً: ألاّ يحول بينهما حائل يمنع الاستطراف، أو المشاهدة للإمام أو لمن خلفه؛ كشباك أو باب مردود، أو جدار صفة شرقية أو غربية لمدرسة إذا كان الواقف فيها لا يرى الإمام ولا من خلفه؛ إذ الحيلولة بذلك تمنع الاجتماع، بخلاف حيلولة النهر والشارع كما سيأتي.
وكذا إن كان أحدهما خارج المسجد والآخر داخله وبينهما منفذ، أو كان في بيتين من غير المسجد وبينهما منفذ .. اشترط مع ما مر لصحة اقتداء من ليس في بناء الإمام ولم يشاهده، ولا من يصلي معه في بنائه: أن يقف واحد من المأمومين مقابل المنفذ يشاهد الإمام، أو من معه في بنائه: أن يقف واحد من المأمومين مقابل المنفذ يشاهد الإمام، أو من معه في بنائه، فتصح صلاة من في المكان الآخر؛ تبعاً له، ولا يضر الحائل بينهم وبين الإمام، ويصير المشاهد في حقهم كالإمام فلا يحرمون قبله، لكن لو فارقهم أو زال عن موقفه .. لم يضر؛ إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
وقوله:(ولم يحل نهر وطرق وتلاع) أي: لم يحل بين الإمام والمأموم نهر وإن احتاج عابره إلى سباحة، وطرق وإن كثر طروقها، وتلاع؛ لأنها لم تعد للحيلولة، قال في "الصحاح": التلعة: ما ارتفع من الأرض وما انهبط أيضاً وهو من الأضداد، والتلاع: مجاري أعلى الأرض إلى بطون الأودية واحدتها تلعة.