ويؤخذ مما مر: أنهم لو عرفوا أن سفره مرحلتان .. قصروا؛ كما لو عرفوا أن مقصده مرحلتان.
وقوله:(ذهاباً) أي: إنما تعتبر المسافة ذهاباً، فلو قصد مكاناً على مرحلة بعزم العود من غير إقامة .. فلا ترخص له بقصر ونحوه وإن نالته مشقة سفر مرحلتين؛ لخبر الشافعي بإسناد صحيح عن ابن عباس: أنه سئل أتقصر الصلاة إلى عرفة؟ فقال: لا، ولكن إلى عسفان، وإلى جدة، وإلى الطائف، فقدره بالذهاب وحده، ولأن ذلك لا يسمى سفراً طويلاً، والغالب في الرخص الإتباع.
ثم إن يسافر من بلد لها سور في جهة مقصده .. فابتداء سفره مجاوزته وإن تعدد كما قاله الإمام وإن كان داخله مزارع وخراب؛ لأن ذلك معدود من البلد؛ فإن كان وراءه عمارة .. لم يشترط مجاوزتها في الأصح؛ لأنها لا تعد من البلد، ولهذا يقال: مدرسة كذا خارج البلد، وصحح الرافعي مجاوزتها؛ لتبعيتها للبلد بالإقامة فيها.
ولو جمع سور قرى متفاصلة .. لم تشترط مجاوزته، وكذا لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين. وإن لم يكن لها سور أو لم يكن في صوب مقصده .. فمجاوزة العمران وإن تخلله خراب أو نهر أو ميدان؛ ليفارق وضع الإقامة.
ولو خرب طرف البلد وبقاية الحيطان قائمة؛ ولم يتخذوه مزارع ولا هجروه بالتحويط على العامر .. اشترط مجاوزته على الأصح في "المجموع"، وإلا .. فلا تشترط مجاوزته كالبساتين والمزارع المتصلة بالبلد ولو محوطة؛ لأنها لم تتخذ للإقامة، فإن كان فيها دور أو قصور تسكن في بعض فصول السنة .. ففي "الروضة" كـ "أصلها" و"الشرح الصغير": اشتراط مجاوزتها، وأطلق "المنهاج" كـ "أصله" عدم اشتراطها، وقال في "المجموع": لم يذكره الجمهور، والظاهر: عدم اشتراطها؛ لأن ذلك لا يجعلها من البلد، وفي "المهمات": أن الفتوى عليه.