الأولى: تعزية المصاب بالميت؛ أي: جميع من أصيب به؛ بأن حصل له عليه وجد من أقاربه وغيرهم ولو صبياناً ونساء قبل الدفن وبعده .. سنة، ولكن تأخيرها أفضل؛ لاشتغال أهل الميت بتجهيزه، إلا أن يرى من أهل الميت جزعاً شديداً فيختار تقديمها؛ ليصبرهم، ومعناها: الأمر بالصبر والحمل عليه بوعد الأجر، والتحذير من الوزر بالجزع، والدعاء للميت بالمغفرة، وللمصاب بجبر المصيبة؛ لخبر "الصحيحين": أنه صلى الله عليه وسلم مر على امرأة تبكى على صبى لها فقال لها: "اتقى الله واصبري"، ثم قال:"إنما الصبر- أي: الكامل- عند الصدمة الأولى"، ولخبرهما عن أسامة بن زيد قال: أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم تدعوه وتخبره أن ابناً لها في الموت فقال للرسول: "ارجع إليها فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب"، ولخبر البيهقي:"من عزى أخاه بمصيبته .. كساه الله تعالى من حلل الكرامة يوم القيامة"، لكن لا يعزى الشابة من الرجال إلا محارمها وزوجها، ومن يباح نظره إليها كعبدها.
وتمتد التعزية ثلاثة أيام تقريباً؛ لأن الحزن فيها موجود، وتكره بعدها؛ إذ الغرض منها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه فيها فلا يجدد حزنه، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم نهاية الحزن بقوله:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" رواه البخاري، ومن هنا كان ابتداء الثلاثة من الموت كما هو ظاهر كلام "الروضة" و"أصلها"، وبه صرح جمع منهم القاضي أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ والماوردي وابن أبي الدم والغزالي في "خلاصته"، والقول بأن ابتداءها من الدفن مفرع على ابتداء التعزية منه أيضاً لا من الموت، قال بعضهم: فقول النووي في "مجموعه" وغيره: قال أصحابنا: وقتها من الموت إلى الدفن وبعده بثلاثة أيام .. مراده به