والحج والعمرة لم يجبا في العمر غير مرة واحدة؛ لخبر أبي هريرة السابق، ولخبر الدارقطني عن سراقة قال: قلت: يا رسول الله؛ عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال:«لا، بل للأبد»، ووجوبهما أكثر من مرة بنذر أو قضاء عارض. وشرط صحة كل منهما: الإسلام فقط، فللولي أن يحرم عن الصبي والمجنون، ويصح إحرام المميز بإذن الولي، وإنما تصح مباشرته من المسلم المميز، وإنما يقع عن فرض الإسلام بالمباشرة إذا باشره المكلف الحر، فيجزئ من الفقير دون الصبي والعبد إذا كملا بعده.
(وإنما يلزم حراً مسلماً ... كلف ذا استطاعة لكل ما)
(يحتاج من مأكول أو مشروب ... إلى رجوعه ومن مركوب)
(لاق به بشرط أمن الطرق ... ويمكن المسير في وقت بقي)
أي: إنما يلزم كل من الحج والعمرة حراً مسلماً مكلفاً، أما الكافر .. فلا يجب عليه وجوب مطالبة به في الدنيا، لكن يجب عليه وجوب عقاب عليه في الآخرة؛ كما تقرر في الأصول، فإن أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر .. فلا أثر لها إلا في المرتد، فإن كلا منهما يستقر في ذمته باستطاعه في الردة، ذكره في «المجموع».
[بيان استطاعة المباشرة وشروطها]
ويعتبر في لزومهما الاستطاعة؛ لقوله تعالى:{اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، وهي نوعان: استطاعة مباشرة، واستطاعة تحصيلهما بغيره، وقد ذكر الناظم الأولى بقوله:(ذا استطاعة لكل ما يحتاج من مأكول أو مشروب) أي: وملبوس، وأوعيتها حتى السفرة التي يأكل عليها في ذهابه ورجوعه إلى بلده وإن لم يكن له بها أهل وعشيرة؛ لما في الغربة من الوحشة وانتزاع النفوس إلى الأوطان، فلو لم يجد ما ذكر، لكن كان يكسب في سفرة ما يفي بمؤنته وسفره طويل؛ أي: مرحلتان فأكثر .. لم يكلف الحج؛ لأنه قد ينقطع عن الكسب لعارض، وبتقدير ألا ينقطع عنه فالجمع بين تعب السفر والكسب تعظم فيه المشقة، وإن قصر سفره وهو يكسب