تعالى في المتمتع:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، وقيس عليه القارن، فعلم أنه لا دم على حاضريه، وهم من مسكنه دون مسافة القصر من الحرم، والقريب من الشيء يقال: إنه حاضره، قال تعالى:{وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} أي: قريبة منه، ومن إطلاق المسجد الحرام على جميع الحرم؛ كما هنا قوله تعالى:{فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}. قال الماوردي: وإنما اعتبر الحرم دون مكة؛ لأن كل موضع ذكر الله المسجد الحرام أراد به الحرم، إلا قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فالمراد به الكعبة، فالحمل على الأغلب أولى. ومن جاوز الميقات فير مريد نسكاً، ثم بدا له فأحرم بالعمرة قرب دخول مكة، أو عقب دخولها .. لزمه دم التمتع على الأصح في الأولى، والمختار في «الروضة» في الثانية؛ لأنه ليس من الحاضرين، والثاني: يعده منهم. ويشترط أيضا لوجوب الدم على المتمتع أمران آخران:
أحدهما: أن تقع عمرته في أشهر الحج من سنته؛ فلو وقعت قبل أشهره أو فيها والحج في سنة قابلة .. فلا دم، ولو أحرم بها قبل أشهره، وأتى بجميع أفعالها في أشهره .. فالأظهر: لا دم؛ لتقدم أحد أركانها.
ثانيهما: ألا يعود لإحرام الحج إلى الميقات الذي أحرم بالعمرة منه؛ فلو عاد إليه أو إلى مثل مسافته وأحرم بالحج .. فلا دم، وكذا لو عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ميقات عمرته وأحرم منه .. لا دم عليه في الأصح؛ لانتفاء تمتعه وترفهه، ولو أحرم به من مكة ثم عاد إلى الميقات .. سقط عنه الدم في الأصح. ثم الشرط الثاني: مناط وجوب الدم، والخارج بالأول والثالث كالمستثنى منه. ولا تعتبر هذه الشروط في التسمية بالتمتع، وقيل: تعتبر فيها أيضا، حتى لو فات شرط منها .. يكون مفرداً، ولو دخل القارن مكة قبل يوم عرفة ثم عاد إلى الميقات .. سقط عند الدم؛ كما يسقط عن التمتع إذا عاد بعد الإحرام بالحج إلى المقيات، وقيل: لا يسقط، والفرق: أن اسم القران لا يزول بالعود إلى الميقات، بخلاف التمتع.