ويجب إتمام ذلك النسك من حج أو عمرة أو قران، قال تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}، وهو يتناول الصحيح والفاسد، وروي البيهقي بأسانيد صحيحة عن ابن عباس وابن عمر وعمرو بن العاص: أنهم أفتوا لمجامع بالمضي في فاسده، والقضاء من قابل، ولا يعرف لهم مخالف، والمراد بالمضي فيه: أن يأتي بما كان يأتي به قبل الجماع، ويجتنب ما كان يجتنبه قبله، فإن ارتكب محظوراً .. لزمته الفدية، وغير النسك من العبادات لا يمضي في فاسده؛ إذ يحصل الخروج منه بالفساد، ويجب القضاء اتفاقاً وإن كان نسكه تطوعاً، فإن التطوع منه يصير بالشروع فيه فرضاً؛ أي: واجب الإتمام كالفرض، بخلاف غيره من التطوع مضيقاً؛ لأنه تضيق بالشروع فيه، روى مالك: أن عمر أمر الذي فاته الحج بالقضاء من قابل. وتعبير الناظم كـ «أصله» بما ذكر أحسن من تعبير كثير: (بالقضاء من قابل) لشموله القضاء قبله؛ إذ العمرة يمكن قضاؤها في عام الإفساد، وكذا الحج فيما إذا أحصر عن إتمامه قبل وطئه، أو بعده ثم تحلل، ثم زال الحصر والوقت باق .. فيلزمه القضاء في عامه، واستشكل تسمية ذلك قضاء؛ بأن من أفسد الصلاة ثم أعادها في الوقت .. كانت أداء لا قضاء؛ لوقوعها في وقتها الأصلي خلافاً للقاضي. وأجاب السبكي بأنهم أطلقوا القضاء هنا على معناه اللغوي، وبأنه يتضيق وقته بالإحرام وإن لم يتضيق وقت الصلاة به؛ لأن آخر وقتها لم يتغير بالشروع فيها؛ فلم يكن يفعلها بعد الإفساد موقعاً لها في غير وقتها، والنسك بالشروع فيه تضيق وقته ابتداء وانتهاء، فإنه ينتهي بوقت الفوات، ففعله في السنة الثانية خارج وقته فصح وصفه بالقضاء. وأيد ولده في «التوشيح» الأول بقول ابن يونس في «التنويه»: إنه أداء لا قضاء، ثم قال: وبسط الثاني: أن النسك وإن وقت بالعمر .. فإنما يقع في سنة، فأي سنة وقع فيها .. تبين أنها المطلوبة للإيقاع، وأنها وقته الأصلي لا العارض بالإحرام، فالمعنى بكون العمر وقتاً للحج: أنه يجب ألا يخلو العمر عنه؛ لأن كل جزء منه وقت له، فمتى أفسده .. وقع الثاني بعد وقته المقدر له شرعاً فكان قضاء، ولهذا لو مات مستطيعاً بلا أداء .. عصى من آخر سني الإمكان، ولو كان وقته جميع العمر .. لعصى من أولها، وأما الصلاة .. فوقتها بين شيئين،