قال ابن الصلاح: وينبغي منعهم من خدمة الملوك والأمراء؛ كما يمنعون من ركوب الخيل. ويلزمون ألا يساووا جيرانهم المسلمين في ارتفاع بنائهم؛ بأن يكون أنزل منه؛ لخبر:"الإسلام يعلو ولا يعلى عليه", وليتميز البناءان, ولئلا يطلع على عورات المسلمين, ولا يؤثر فيه رضا جاره المسلم بعدم نزوله؛ لأن المنع لحق الدين المحض, لا لمحض حق الجار, سواء أكان بناء المسلم معتدلاً, أم في غاية الانخفاض, قال البلقيني: ومحل المنع إذا كان بناء المسلم مما يعتاد للسكنى, فلو كان قصيراً لا يعتاد فيها, لأنه لم يتم بناؤه, أو لأنه هدمه, أو انهدم إلى أن صار كذلك .. لم يمنع الذمي من بناء جداره على أقل ما يعتاد في السكنى؛ لئلا يتعطل عليه حقها الذي عطله المسلم باختياره, أو تعطل عليه لإعساره. وخرج بـ (الجار): غيره؛ كأن انفردوا بمحل بطرف البلد منفصل عنها, فيجوز رفع البناء.
[ما ينقض عقد الذمة]
وانتقض العهد؛ أي: عقد الذمة بمنع أداء الجزية, قال في "الروضة" كـ"أصلها": هكذا قال الأصحاب, وخصه الإمام بالقادر, أما العاجز إذا استمهل .. فلا ينقض عهده بذلك, قال: ولا يبعد أخذها من الموسر قهراً, ولا ينتقض عهده, ويخص قولهم بالمتغلب المقاتل. انتهى, وما ذكره الإمام مفهوم من تعبير الأصحاب بالمنع. وبتمرد دفع به حكم الشرع؛ وهو الامتناع من الانقياد لحكامنا بالقوة والعدة, لا بالهرب من أداء الجزية, أو من الانقياد لحكم الشرع؛ كما صرح به الناظم؛ تبعاً للإمام والغزالي, وأطلق غيرهما ذلك, وهو ما في "المنهاج" وغيره, وسواء أشرط الانتقاض بذلك أم لا, ولهذا أطلق فيه, وقيد بالشرط فيما يأتي. ووجه الانتقاض به: مخالفته لمقتضى العقد, ويؤخذ من ذلك انتقاض العقد بقتال المسلمين من باب أولى؛ لأن عقد الذمة؛ للكف عن القتال, فيناقضه القتال.