وينبغي ارتفاع محل جلوسه كدكة، وأن يتوجه للقبلة غير متكئ، وحسن أن يوضع له فراش ووسادة؛ ليعرفه الناس، ويكون أهيب للخصوم، وأرفق به فلا يمل.
ويكره القضاء في المسجد إذا اتخذ بقصد الحكم فيه؛ صوناً له عن ارتفاع الأصوات واللغط الواقعين بمجلس الحكم عادة، وقد يحتاج لإحضار المجانين والصغار، والحيض والكفار، ولخبر ابن ماجه والطبراني في "الكبير": "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم، وشراءكم وبيعكم، وخصوماتكم"، بخلاف اتخاذه مجلساً للفتوى، وتعليم القرآن والعلم فلا يكره.
ولو اتفقت قضية أو قضايا وقت حضوره في المسجد لصلاة أو غيرها .. فلا بأس بفصلها؛ للاتباع، رواه البخاري، وهذا مخالف لمالك وأحمد حيث قالا: لا يكره القضاء في المسجد، فقد روي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم: أنهم كانوا يقضون في المسجد، وقال مالك رضي الله تعالى عنه: القضاء في المسجد من أمر الناس القديم، وقال الشعبي: رأيت عمر رضي الله عنه مستنداً؛ يعني: إلى القبلة، يقضي بين الناس، ولأن القضاء قرية وإنصاف بين الناس فلم يكره في المسجد.
[ما يكره للقاضي]
ويكره للقاضي حال جلوسه للحكم نصب حاجب يحجب الناس عن الوصول إليه؛ لخبر الترمذي:"من ولي من أمور المسلمين شيئاً واحتجت دون حاجتهم .. احتج الله دون حاجته، وفقره وفاقته"، واتخاذ بواب يمنع الناس ويغلق الباب دونهم، خصوصاً إن كان يغلقه عن الفقراء ويفتحه للأغنياء والرؤساء، وهذا لم يكن عذر، فإن كان لزحام، أو لم يجلس للحكم؛ بأن كان في وقت خلواته .. لم يكره نصبهما.
قال الماوردي: إنما يكره الحاجب إذا كان وصول الخصم موقوفاً على إذنه، وأما من وظيفته ترتيب الخصوم وإعلامه بمنازل الناس؛ وهو المسمى في زماننا بالنقيب .. فلا بأس باتخاذه، وصرح القاضي أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ باستحبابه فقالوا: يستحب أن يتخذ حاجباً يقوم على رأسه إذا قعد، ويقدم الخصم ويؤخرهم.