بطلانه، بخلاف القياس الخفي، والقضاء فيما باطن الأمر فيه بخلاف ظاهره ينفذ ظاهراً لا باطناً.
فلو حكم بشهادة زور بظاهري العدالة .. لم يحصل بحكمه الحل باطناً، سواء المال والنكاح وغيرهما، وما باطن الأمر فيه كظاهره؛ بأن ترتب على أصل صادق ينفذ القضاء فيه باطناً أيضاً قطعاً إن كان في محل اتفاق المجتهدين، وعلى الأصح عند البغوي وغيره: إن كان في محل اختلافهم وإن كان القضاء لمن لا يعتقده؛ لتتفق الكلمة ويتم الانتفاع.
ولا يقضي بخلاف علمه بالإجماع؛ كأن علم أن المدعي أبرأ المدعي عليه مما ادعاه، وأقام به بينة، أو أن المدعي قتله -وقامت به بينة- حي، فلا يقضي بالبينة فيما ذكر.
ويقضي بعلمه ولو في الطلاق والعتق؛ كما يقضي بالحجة، بل أولى سواء أعلم ذلك في زمن ولايته ومكانها، أم في غيرهما، وسواء أكان في الواقعة بينة أم لا، وذكر الماوردي والروياني: أنه لا ينفذ الحكم بالعلم إلا مع التصريح بأن مستنده علمه بذلك؛ كأن يقول:(قد علمت أن له عليك ما ادعاه، وحكمت عليك بعلمي) كما يقضي بعلمه في تعديل الشهود وجرحهم، وفي التقويم لما يحتاج لتقويمه وإن لم يكن معه مقوم آخر، إلا في حدود الله تعالى وتعازيره؛ لندب الستر في أسبابها، بخلاف عقوبات الآدمي وحقوقه تعالى المالية.
[حرمة تلقين المدعي]
الثالثة: يحرم على القاضي تلقين مدع كيف يدعي؛ لما فيه من كسر قلب الآخر، وتعيين قوم من الشهود ولا يقبل غيرهم؛ لقوله تعالى:{وأشهدوا ذوي عدل منكم}، ولأن فيه إضراراَ بالناس؛ لأن كثيراً من الوقائع التي يحتاج إلى البينة فيها لا يطلع عليها المعينون، لكن له أن يرتب شهوداً يشهدهم الناس، فيستغنون بإشهادهم عن تعديلهم، ويستغني الحاكم عن الكشف عن حالهم.
[القضاء على الغائب]
الرابعة: إنما يقبل القاضي الذي في بلد الخصم كتاب القاضي على الغائب إذا سمع البينة على الغائب وقبلها، وثبت عنده المال على الغائب، وكتب إلى قاضي البلد الذي فيه المدعي عليه، وذلك حين يطلب المدعي منه ذلك ويكتب، فإذا وصل الكتاب إلى القاضي .. لا يقبله