ثم استشهد الناظم لما قرره بقول السهروردي- بضم السين- صاحب "عوارف المعارف"، وقد سأله بعض أئمة خرسان فقال: القلب مع الأعمال يداخله العجب، ومع ترك الأعمال يخلد إلى البطالة، فأجابه بقول: لا تترك الأعمال، وداو العجب حيث لك؛ بأن تعلم أن ظهوره من النفس، فاستغفر الله منه إذا وقع قصداً؛ فإن ذلك كفارنه، ولا تدع العمل رأساً؛ فإنه من مكائد الشيطان.
قال الإمام في "المطلب": من مكائد الشيطان ترك العمل؛ خوفاً من أن يقول الناس: إنه مرائي، وهذا باطل، فإن تطهر العمل من نزغات الشيطان بالكلية متعذر، فلو وقتنا العبادة على الكمال .. لتعذر الاشتغال بشيء من العبادات، وذلك بموجب البطالة، وهي أقصى غرض الشيطان.
وقال النووي: ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس والاحتراز من تطرق ظنونهم .. لاستد عليه أكثر أبوب الخير، وضيع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمات الدين، وليس هذا طريقة العارفين.
ولقد أحسن من قال: سيروا إلى الله عرجاً ومكاسير، ولا تنتظروا الصحة، فإن انتظار الصحة بطالة.
وحكي عن الشافعي رضى الله تعالى عنه أنه قال: إذا خفت على عملك العجب .. فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب، وأي عافية تشكر، وأي بلاء تذكر، فإنك إذا فكرت في واحدة من هذه الخصال .. صغر في عينك عملك.
وإن يك الخاطر مما نهاك الله تعالى عنه .. فاحذر من فعله، فإنه من وسوسة الشيطان، أو من دسيسة النفس الأمارة بالسوء.
والفرق بينهما: أن خاطر النفس لا ترجع عنه، وخاطر الشيطان قد ينقله إلى غيره إن صمم الإنسان على عدم فعله؛ لأن قصده الإغواء لا خصوص قضية معينة، فإن تمل النفس إلى فعله،