مرتين، وفي آخره:"اعمل ما شئت؛ فقد غفرت لك"، قال القرطبي: فيه دليل على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب؛ لأن التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحت، وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أخرى مستأنفة، والعود إلى الذنب أقبح من ابتدائه؛ لأنه انضم إلى الذنب نقض التوبة، والعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنه انضم إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم، وأنه لا غافر للذنب سواه، وهذه فائدة اسمه تعالى (الغفار) و (التواب).
[وجوب التوبة]
الثانية: تجب التوبة؛ لقوله تعالى:{وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون}، قال بعضهم: وإنما وجبت توبة العبد من المعصية لتقبل نوافل العبادة منه، فإن رب الدين لا يقبل الهدية ممن هو غضبان عليه بإصراره على المعاصي، وكيف يقبل منك تبرعك بالهدية ودينه الذي فرضه عليك لم تقضه؟ !
وكما تجب التوبة من الكبائر .. تجب من الصغائر خلافاً لأبي هاشم، ولم يستحضر إمام الحرمين في "الإرشاد" مخالفته في ذلك، فحكى الإجماع على الأول، وتوقف السبكي في وجوب التوبة منها عيناً وقال: لعل وقوعها مكفرة بالصلاة واجتناب الكبائر يقتضي أن الواجب إما التوبة أو فعل ما يكفرها، وخالفه ولده تاج الدين فقال: الذي أراه: وجوب التوبة عيناً على الفور عن كل ذنب.
نعم؛ إن فرض عدم التوبة عن الصغيرة، ثم جاءت المكفرات .. كفرت الصغيرتين، وهما تلك الصغيرة وعدم التوبة منها.
[صحة التوبة مع الإصرار على ذنب آخر]
الثالثة: تجب التوبة، وتصح عن كل ذنب مع الإصرار على ذنب آخر، خلافاً للمعتزلة في قولهم: لا يكون تائباً من أصر على ذنب سواه؛ بناء على أصلهم في القبيح العقلي؛ لأن الكل في القبح على حد سواء، ويرد عليهم قوله تعالى:{وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم}.