قال بعضهم: ما أهون الورع دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه؛ كما إذا شك هل طلق زوجته، أو علق طلاقها على فعل شيء؟ وشك هل فعله أو لا؟ فالأفضل أن يمسك عن وطئها إلى أن يراجعها إن كان الطلاق رجعياً، أو يجدد نكاحها إن كان بائناً.
واعلم: أن المكلف إذا شك في الخاطر هل هو مأمور به أو منهي عنه .. فينبغي التفصيل بأن يقال: الأمر إما أن يكون للوجوب أو الاستحباب، والنهي إما للتحريم أو للكراهة، وينبني على هذا التفصيل فروع كثيرة، فمن فكر فيما خطر له من الكلام فلم يدر أهو مصلحة أم مفسدة .. فليمسك عن التكلم به حتى تظهر له المصلحة فيه؛ لخبر "الصحيحين": "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فليقل خيراً أو ليصمت".
وقال النووي: متى استوى الكلام وتركه .. فالسنة الإمساك عنه؛ فإنه قد ينجر الكلام إلى محرم أو مكروه.
وقال الجويني في المتوضئ يشك أيغسل ثالثة فيكون مأموراً بها، أم رابعة فيكون منهياً عنها: لا يغسل؛ خوف الوقوع في المنهي عنه؛ إذ ترك سنة أهون من ارتكاب بدعة، وقال الجمهور: يغسل؛ لأن التثليث مأمور به، ولم يتحقق قبل هذه الغسلة فيأتي بها، ولهذا: لو شك أصلى ثلاثاً أم أربعاً .. أتى برابعة وجوباً مع احتمال وقوع المنهي عنه بالزيادة.
وذكر ابن السمعاني في "تاريخه": أن رجلاً رأى الشيخ أبا إسحاق الشيرازي يتوضأ، فغسل وجهه أكثر من ثلاث فأنكر عليه، فقال الشيخ: لو صحت لي الثلاث .. لم أزد.
[وقوع الخير والشر بقدرة الله، وخلقه لأفعال العباد]
(والخير والشر معاً تجديده ... بقدرة الله كما يريده)
(وهو الذي أبدع فعل المكتسب ... والكسب للعبد مجازاً ينتسب)
أي: والخير والشر معاً تجديده؛ أي: وقوع كل منهما بقدرة الله تعالى كما يريده؛ لخبر مسلم عن أبي هريرة قال: (جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في