هذا القدر، فنزلت هذه الآية:{إن المجرمين في ضلال وسعرٍ} إلى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، ولفظ ابن ماجه في "صحيحه": (يخالفونه في هذا القدر)، ولقوله تعالى:{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً}.
والمراد بالقدر: ما قدره الله تعالى وقضاه، وكتبه في اللوح المحفوظ، وسبق به علمه وإرادته، وكل ذلك في الأزل معلوم لله تعالى.
قال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله تعالى على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه، ويجب أن يعتقد أن كل ما وقع في الموجودات واقع بقدرة الله تعالى، ومن جملته الخواطر التي تخطر بالقلب، وذهب من لم يتشرع من الفلاسفة إلى نفي القدر جملة، وذهبت المعتزلة إلى نفيه في الكفر والمعاصي دون الطاعات، واختلفوا في المباحات، وأحسن ما يرد عليهم إثبات العلم لله تعالى، ولهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: القدرية إذا سلموا العلم .. خصموا، واحتج عليهم مالك بقوله عليه الصلاة والسلام:"الله أعلم بما كانوا عاملين"، والله خالق لأفعال عباده، كما أنه خالق لأعيانهم.
قال البيهقي في (كتاب الاعتقاد): قال تعالى: {ذالكم الله ربكم خلق كل شيء} فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر، وقال تعالى:{أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشبه الخلق عليهم قل الله خلق كل شيء} فنفى أن يكون خالق غيره، ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق، فلو كانت الأفعال غير مخلوقة له .. لكان خالق بعض شيء لا كل شيء، وهو مخالف للآية، ومن المعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان، فلو كان الله تعالى خالق الأعيان والناس خالقي الأفعال .. لكانت مخلوقات الناس أكثر من مخلوقات الله عز وجل، تعالى الله عن ذلك.
وقال تعالى:{هل من خلق غير الله}، وقال تعالى:{والله خلقكم وما تعملون}