أي: خلقكم وخلق الأعمال الصادرة منكم، ففي الآية دليل على أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ومكتسبة لهم، حيث أثبت لهم عملاً يعملونه؛ وهو عبادة الأصنام دون الله تعالى، وقد جاء في الحديث:"إن الله تعالى خلق كل صانع وصنعته".
فإن قيل: إذا كان الله تعالى خالق الفعل .. فكيف يعاقب على شيء خلقه؟ ! قلنا: كما يعاقب خلقاً خلقه، فليست عقوبته على ما خلق بأبعد من عقوبته من خلق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، وعلى هذا درج السلف والصحابة والتابعون، وصنف فيه البخاري كتاب "خلق الأفعال".
ولما كانت حركة المرتعش المجمع على أنها خلق الله تعالى لا كسب للعبد فيها .. فكذلك حركة غيره، لكن الله تعالى خلق لهذا حركة واختياراً، ولم يخلق للآخر اختياراً وإن خلق له حركة، ولكن الله قدر للعبد قدرة هي استطاعته، تصلح للكسب لا للإبداع، بخلاف قدرة الله تعالى؛ فإنها للإبداع لا للكسب، فالله خالق غير مكتسب، والعبد مكتسب غير خالق، فيثاب ويعاقب على مكتسبه الذي يخلقه الله عقب قصده له؛ قال تعالى:{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} فأثبت له الرمي ونفاه عنه باعتبارين.
فإذا نسب الفعل إلى القدرة القديمة .. سمب خلقاً، والقادر: خالقاً، وإذا نسب إلى القدرة الحادثة .. سمي كسباً، والقادر: كاسباً، ولابد من القول بالكسب تصحيحاً للتكليف بالثواب والعقاب؛ لامتناع الجمع بين اعتقاد الجبر المحض والتكليف.
وحاصله: أن الأفعال تنسب للخلق شرعاً؛ لإقامة الحجة عليهم، ولا فاعل في الحقيقة إلا الله تعالى إذ هو الذي أبدع فعل المكتسب، ولكن الكسب ينسب إلى العبد مجازاً، وقد نسب تعالى الكسب إليهم بقوله تعالى:{جزاء بما كانوا يكسبون}، وبقوله:{فبما كسبت أيديكم}، فمراعاة الظاهر شريعة، ومراعاة الباطن حقيقة، وفي هذا جمع بينهما، ولهذا حكي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال:(القدر سر الله تعالى في الأرض لا جبر ولا تفويض).
وكون فعل العبد مكتسباً للعبد مخلوقاً لله مخلوقاً لله تعالى توسط بين قول المعتزلة: إن العبد خالق لفعله، وبين قول الجبرية: إنه لا فعل للعبد أصلاً؛ وهو آلة محضة؛ كالسكين في يد