(قصد العدو طرح جانب الله ... في صورة الأسباب منك أبداه)
(أو لتماهن مع التكاسل ... أظهره في صورة التوكل)
(من وفق الله تعالى: يلهم ... ألبحث عن هذين ثم يعلم)
(ألا يكون غير ما يشاء ... فعلمنا- إن لم يرد- هباء)
[الخلاف في أفضلية التوكل والاكتساب]
اختلف في التوكل والاكتساب أيهما أفضل على أقوال، وحقيقة التوكل: الكف عن الاكتساب والإعراض عن الأسباب؛ اعتماداً للقلوب على الله تعالى، عملاً بقوله تعالى:{فاتخذه وكيلاً}، {وعلى الله فتوكلوا}.
قال السري: التوكل: الانخلاع من الحول والقوة؛ أي: بألا ترى لأحد حولاً؛ أي: حيلة، ولا قوة إلا بالله، وهو قريب من قولهم: إلقاء النفس في العبودية وإخراجها عن صفة الربوبية فيبقى حاله كالطفل مع أبيه وأمه؛ فإنه لا يعرف غيرهما، وهو معنى قولهم: أن يكون بين يدي الله تعالى في حركاته وسكناته كالميت بين يدي الغاسل، وهذه الحالة أعلى من حالة الطفل؛ لأن الطفل يصيح بالأم ويتعلق بها لتحمله.
وهذا المقام في التوكل يثمر ترك السؤال؛ اعتماداً على علمه به وعنايته، وهو مقام الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال لجبريل:(حسبي من سؤالي علمه بحالي).
فرجح قوم التوكل على الاكتساب؛ لأنه حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال أهل الصفة؛ قال تعالى {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، وفي الحديث الصحيح في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب:"وعلى ربهم يتوكلون"؛ ولأنه ينشأ عن مجاهدة النفس، والأجر على قدر النصب، والمراد به: ذو الرتبة العليا في التوكل.
ورجح آخرون: أن الاكتساب أفضل لا لجمع المال، واعتقاد أنه يجلب الرزق ويجر النفع؛ بل لأنه من النوافل التي أمر الله بها في قوله:{وابتغوا من فضل الله}، وطلب التعاون بالمسلمين والرفق بهم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط .. أطيب مما