كسبت يده" رواه البخاري، وفيه أيضاً مرفوعاً: "إن داوود عليه الصلاة والسلام كان لا يأكل إلا من عمل يده"، ولأنه فعل الأكابر من الصحابة وغيرهم من السلف.
والقول الثالث وهو المختار: التفصيل؛ وهو أنه يختلف باختلاف أحوال الناس، فمن آثر طاعة الله على طاعة غيره طلباً لرضاه، ولم يتسخط إذا عسر عليه رزقه، ولم يكن مستشرفاً، أو لم يستشرف نفسه إلى أحد من الناس، بل إلى الله تعالى، لا ينزل حاجته إلا به، ولا يرفعها إلا إليه؛ اعتماداً على قوله تعالى:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه} أي: من يثق بالله .. كفاه ما أهمه {إن الله بلغ أمره} توكل على الله أم لم يتوكل عليه، غير أن المتوكل عليه {يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً} فالتوكل في حقه أفضل، وفي الحديث: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله .. لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتعود بطاناً".
وإلا بأن تسخط عند تعسر الرزق، أو اضطراب قلبه، أو تشوف إلى ما في أيدي الناس .. فالكسب له أرجح، وفي هذا جمع بين اختلاف الأدلة، وهو نظير عدم كراهة التصدق بجميع المال لمن يصبر على الإضافة، وكراهته لمن لم يصبر، قال البيهقي في "شعب الإيمان": وعليه أكثر أهل المعرفة.
[طلب التجريد مع الإقامة في الأسباب وعكسه]
وقال بعضهم: التوكل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكسب سنته، فمن ضعف عن حاله .. فليسلك سنته.
وذكر أبو محمد بن أبي جمرة أن فقيراً كتب فتيا: ما تقول السادة الفقهاء في الفقير المتوجه إلى الله تعالى؟ هل يجب عليه الكسب؟ فأجاب: من نور الله بصيرته، إن كان توجهه دائماً لا فترة فيه .. فالتسبب عليه حرام، وإن كان له في بعض الأوقات فترة ما .. فالكسب عليه واجب.
قال بعضهم: وفي جعل المصنف الاكتساب في مقابلة التوكل نظر، فإن الاكتساب لا ينافي التوكل، فإن التوكل ركون القلب إلى الله، والاعتماد عليه لا على التسبب، وفي الحديث: أن