للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يوم؛ كما قدَّره أبو علي الفارسي، وضُعف بأن التأسيس ليس بمكان. ومثله قولُ عائشة: ولم يجلس عندي مِن يومِ قيلَ ما قيل. وقوُل أنس: فما زلت أحبُّ الدُّبَّاءَ من يومئذ. وقولُ بعض الصحابة: مُطرنا من الجمعة إلى الجمعة" (١). فنلحظ أن ابن الملقن أطنب ومثَّل ورجَّح لرأي البصريين، وأما مذهب الكوفيين فاكتفى بما ذكره أول المسألة دون تعليق أو شرح أو ترجيح.

ومن طرق ابن الملقن في الإطناب خلال شرحه: أنه قد يذكر الأوجُه الواردة في المسألة، ثم يفصِّل كلَّ رأي على حدة، والأقوال الواردة فيه، وذلك في مثل: قول ورقة بن نوفل: (يا ليتني فيها جذعًا ... ). قال ابن الملقن: "قوله: (جذعًا) هكذا الرواية المشهورة هنا وفي صحيح مسلم؛ بالنصب، ووقع للأصيلي هنا وابن ماهان في صحيح مسلم: (جذعٌ)، بالرفع، فعلى الرفع لا إشكال، وفي النصب اختلفوا في وجهه على ثلاثة أوجه:

أحدها: نصبُه على أنه خبر (كان) المقدرة، تقديرُه: ليتني أكون جذعًا، قاله الخطابي والمازري وابن الجوزي في مُشكِله، وهي تجيءُ على مذهب الكوفيين كما قالوا في قوله تعالى: {انتَهُوا خَيرًا لَّكُم} (٢) أي: يكن الانتهاءُ خيرًا لكم، ومذهب البصريين أن (خيرًا) في الآية منصوبٌ بفعل مضمر يدُل عليه (انتهوا) تقديرُه: انتهوا وافعلوا خيرًا لكم. وقال الفراء: انتهوا انتهاءً خيرًا لكم، وضُعف هذا الوجه بأنَّ (كان) الناصبة لا تضمر إلا إذا كان في الكلام لفظٌ ظاهر يقتضيها كقولهم: إن خيرًا فخير.

ثانيها: أنه منصوبٌ على الحال، وخبر (ليت) قولُه: فيها، والتقدير: ليتني كائنٌ فيها -أي: مدة الحياة- في هذا الحال شبيبةً وصحةً وقوةً لنصرتك، إذ قد كان أسنَّ وعمِيَ عند هذا القول، ورجَّح هذا القاضي عياضٌ، وقال: إنه الظاهر. وقال النووي: إنه الصحيح الذي اختاره المحققون.

ثالثُها: أن تكون (ليت) عمِلت عمَلَ (تمنَّيت) فنصبت اسمين، كما قال الكوفيون؛ وأنشدوا:


(١) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٢/ ٥٨٤.
(٢) النساء: ١٧١.

<<  <   >  >>