للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضع المعدول عنه (١).

المذهب الثاني: ما نُقل عن الزجَّاج، وهو أن (مثنى) مُنعت من الصرف للعدل عن: اثنتين اثنتين، وللعدلِ عن التأنيث، وقال: لا أعلم أن أحدًا من النحويين ذكرهما (٢).

وأُخِذ عليه بأنَّ في ذلك ادعاءَ عدلين في اسمٍ واحد؛ وهذا لا يجوزُ؛ وذلك لأن العدل هو أن تلفِظَ بالكلمة وتريدَ بها كلمةً على لفظ آخَرَ، فمثلًا (عُمَر) عُدلت عن عامرٍ، وبكِلَا اللفظين تريد عامرًا، فلو كان ثَمَّ عدلٌ في المعنى للزِم أن يكونَ المعنى في حال العدل غيرَ المعنى الذي كان قبل العدل، وليس هذا هو المرادَ؛ لأن المعنى في الأسماء المعدولِ عنها هو المعنى نفسُه في الأسماء المعدولة، فكيف يجوزُ أن تكون معدولةً عنها؟ (٣)

المذهب الثالث: ما نقله الأخفشُ عن بعض النحويين (٤)؛ وهو أن (مثنى) مُنعت من الصرف للعدل عن اثنين، وللعدلِ في المعنى، وذلك أن العدل جُعل بيانًا لترتيب الفعل؛ فمثلًا: (جاءني القوم مثنى)، أي أن مجيئَهم اثنين اثنين، بخلافِ أسماء العدد غيرِ المعدولة فيُقصد بها مقدارُ المعدودين، فتقول: (جاء اثنانِ وثلاثةٌ وأربعةٌ).

ومما سبق يتبيَّن اختلافُ المعنى بين الأسماء المعدولة وغيرِ المعدولة، وبذلك أجاز أبو حيانَ أن تقوم العلةُ مقامَ العلتين؛ لإيجابها معنيَين مختلفَين (٥).

المذهب الرابع: ما نُقل عن الفرَّاء (٦) أن (مثنى) منعت من الصرف للعدل والتعريفِ بنيَّةِ الألف واللام، ولذلك لم تُضَف؛ لأنها على نية الألف واللام، أو امتنعت من الألف واللام لأنَّ فيها تأويلَ الإضافة، فلو قلت: (ادخلوا ثلاثًا ثلاثًا)، فكأنك قلتَ: ثلاثَ رجالٍ ثلاثَ رجالٍ.

ويرى الفراءُ جوازَ صرفِها (٧)، وليس بوجه، إذ الموضوعُ على الوصفية كأحمر يؤثرُ فيه


(١) شرح الكافية للرضي ١/ ١١٦.
(٢) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٢/ ٩.
(٣) المخصص ٥/ ٢٠٨.
(٤) نقلًا: البحر المحيط ٣/ ٤٩٠.
(٥) البحر المحيط ٣/ ٤٩٠، المخصص ٥/ ٢٠٦.
(٦) معاني القرآن للفراء ١/ ٢٥٤.
(٧) المصدر السابق، وعبارته: "ومن جعلها نكرة وذهب بها إلى الأسماء أجراها، والعرب تقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، وثلاثًا ثلاثًا، ووجه الكلام ألا تجرى، وأن تجعل معرفة لأنها مصروفة، والمصروف خلقته أن يترك على خلقته".

<<  <   >  >>