للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زعيم الفقهاء أبو الوليد بن رشد رحمه الله تعالى في أول كتاب التجارة إلى أرض الحرب من مقدماته: ليس فرض الهجرة ساقطا بل الهجرة باقية لازمة إلى يوم القيامة، واجبة بإجماع المسلمين على من أسلم بدار الحرب فلا يقيم حيت تجري عليه أحكام المشركين، بل يهجر دار الحرب، ويلحق بدار المسلمين، ولا يقيم بين أظهر المشركين لئلا تجري عليه أحكامهم، فلا يباح لأحد الدخول إلى ديارهم حيث تجري عليه أحكامهم في تجارة أو غيرها، وقد كره مالك رحمه الله أن يسكن أحد ببلد يسب فيها السلف، فكيف ببلد يكفر فيها الرحمن، وتعبد فيها من دونه الأوثان، ومثل وجوب الهجرة على من أسلم بدار الحرب من طرأ عليه الكفر وهو مسلم، قال تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}، وقال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} والظالمون أنفسهم في هذه الآية السابقة إنما هم التاركون للهجرة مع القدرة حسبما تضمنه قوله تعالى: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم» وقد روى أشهب عن مالك: لا يقيم أحد بموضع يعمل فيه بغير الحق، قال في العارضة: فإن قيل فإذا لم يوجد بلد إلا كذلك قلنا: يختار المرء أقلها إثما مثل أن يكون بلد فيه كفر، فبلد فيه جور خير منه، أو بلد فيه عدل وحرام، فبلد فيه جور وحلال خير منه للمقام، وبلد فيه معاص في حقوق الله فهو أولى من بلد فيه معاص في مظالم العباد؛ والحاصل أن الهجرة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام كانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، وأما الهجرة التي انقطعت بقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «لا هجرة بعد الفتح» فهي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فلما فتح الله مكة سقطت الهجرة، وبقي تحريم المقام بين

<<  <   >  >>