للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (إنما الأعمال بالنيات)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: النية في الوضوء.

أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم قال: حدثني مالك ح: وأخبرنا سليمان بن منصور قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك -واللفظ له- عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)].

وهذا الحديث رواه الشيخان، وقد استفتح به البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح، واستفتح به النووي في كتابه رياض الصالحين، وكثير من العلماء يستفتحون كتبهم بهذا الحديث؛ لأن النية هي أساس الدين، وأصل الأعمال، وهي المصححة للأعمال، فلهذا كانوا يفتتحون كتبهم بهذا الحديث، وهذا الحديث من أصح الأحاديث، وهو مع ذلك غريب؛ لأنه من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن الوقاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يروه من الصحابة إلا عمر بن الخطاب، ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ورواه المئات فهو صحيح غريب، لكن الغرابة في طرف الإسناد الأول لا في آخره، ومع ذلك يعتبر من أصح الأحاديث، حتى قال بعض أهل العلم: إنه نصف الدين، وقال بعضهم: إنه ربع الدين، فكونه نصف الدين لأن فيه إصلاح الباطن، وحديث: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وكذلك: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) لبيان إصلاح الظاهر، فهو نصف الدين.

وقد استدل به المؤلف رحمه الله على النية في الوضوء، وهو عام يشمل النية في الوضوء وفي غير الوضوء، كنية الصلاة، ونية الزكاة، والنية في الصوم، والنية في الحج.

فالحديث أعم من الترجمة، وإنما ذكره في نية الوضوء لأن الإنسان لابد له من أن ينوي الوضوء، وأما لو غسل أطرافه مرتباً وهو ينوي التبرد، ولم ينو رفع الحدث فإنه لا يصح الوضوء؛ لفقدان النية، فلو أن إنساناً غسل وجهه للتبرد، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق، وغسل اليسرى إلى المرفق، ثم مسح رأسه وأذنيه، ثم غسل رجليه ناوياً التبرد فلا يصح وضوؤه، كما أن الإنسان لو كان عليه جنابة ثم اغتسل ناوياً التبرد لا يرتفع حدثه؛ لحديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

وفي الحديث مثل للذين يعملون بنية العبادة ونية غير العبادة، وهو: (فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله) يعني: الصحابة الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فهذا مثال غير نية العبادة، فهذا الرجل هاجر من مكة إلى المدينة بنية تزوج امرأة تسمى أم قيس، فسمي مهاجر أم قيس؛ لأن هجرته لم تكن عبادة، وإنما هاجر لأمر دنيوي، فلابد من النية في العبادات.

<<  <  ج: ص:  >  >>