للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حجب الجنب من قراءة القرآن]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب حجب الجنب من قراءة القرآن: أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: أتيت علياً أنا ورجلان فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة).

أخبرنا محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني الرقي قال: حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حال ليس الجنابة)].

هذا الحديث لا بأس بسنده، وفيه دليل على أن الجنب لا يقرأ القرآن، بخلاف غيره كالذكر والتسبيح والتهليل فلا بأس، وفي حديث عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، إلا القرآن كان لا يحجبه شيء إلا القرآن، كان يأكل اللحم إذا خرج من الخلاء، ولا يمتنع من شيء، ويذكر الله إلا القرآن، فالجنابة تحجب قراءة القرآن.

وجاء في حديث آخر: (فأما الجنب فلا ولا آية) واختلف العلماء في الحائض والنفساء هل تقرآن القرآن أو لا تقرآنه؟ فالجمهور يرون أن الحائض والنفساء لا تقرآن القرآن قياساً على الجنب، كما أن الجنب لا يقرأ القرآن والمراد عن ظهر قلب بدون مس المصحف، وذهب الجمهور إلى أن الحائض والنفساء لا تقرأ القرآن، وهو مذهب الحنابلة والجماعة قياساً على الجنب، وفي هذا حديث ضعيف في منع الحائض والنفساء من قراءة القرآن.

والقول الثاني: أنهما تقرآن القرآن، قالوا: والحديث في هذا ضعيف، وقياسه مع الجنب قياس مع الفارق؛ لأن الجنب مدته قصيرة، والحائض والنفساء مدتهما طويلة، قد تكون مدة النفاس أربعين يوماً، وقد يتفلت القرآن منها إذا كانت حافظة له، وقد تحتاج إلى مراجعة إذا كانت مدرسة أو طالبة، ولأن قراءة القرآن خير عظيم، فكيف تمنع من هذا الخير بدون دليل؟ ولأن الحائض والنفساء لا يستطعن إزالة الحدث، فهو ليس في أيديهما، بخلاف الجنب فإنه بيده، متى ما فرغ من حاجته اغتسل وقرأ القرآن، أما الحائض والنفساء فليس الأمر بيدهن، وقد تطول المدة.

فالصواب: أنه لا بأس بقراءة الحائض والنفساء القرآن عن ظهر قلب بدون مس المصحف، وإذا احتاج مس المصحف يكون وراء قفازين، أما الجنب فلا، لأن مدته قصيرة ويستطيع أن يغتسل، والحديث في هذا صحيح، أما الحديث في منع الحائض والنفساء فهو ضعيف، وقياسه على الجنب قياس مع الفارق.

قال السيوطي: (ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة).

قال الزركشي في التخريج: ليس هنا بمعنى غير، وقال البزار: إنها بمعنى إلا، ويؤيده رواية ابن حبان: إلا الجنابة، وفي رواية له: ما خلا الجنابة، وقال على قوله: ليس الجنابة بالنصب على أن ليس من أدوات الاستثناء، والمراد بعموم شيء ما يجوز العقل فيه القراءة من الأحوال، وإلا فحالة البول والغائط مثل الجنابة، لكن خروجهما عقلاً أغنى عن الاستثناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>