للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث طلق بن علي في عدم الوضوء من مس الذكر]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء من ذلك.

أخبرنا هناد عن ملازم بن عمرو قال: حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه قال: (خرجنا وفداً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة؟ قال: وهل هو إلا مضغة منك، أو بضعة منك!)].

هذا حديث طلق بن علي استدل به بعض العلماء على أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر، وذلك أن الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة؟ قال: (وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك!) يعني: قطعة منك.

يعني: هو كما لو مسست فخذك أو رجلك أو قطعة منك.

وقد اختلف العلماء في الجمع بينه وبين حديث بسرة بنت صفوان السابق، فذهب قوم إلى أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر؛ أخذاً بحديث طلق بن علي، ولأن حديث بسرة بنت صفوان يوجب الشك، ولا يتوضأ من أجل الشك، وحديث طلق بن علي مبق على الأصل، فلا يتوضأ بالشك، وعمل النسائي رحمه الله يفيد هذا؛ لأنه أتى بحديث طلق بعد حديث بسرة.

ومن العلماء من جمع بينهما، ومن العلماء من ذهب إلى النسخ، وقال: إن حديث طلق بن علي منسوخ بحديث بسرة بنت صفوان: ولابد من معرفة التاريخ؛ إذ النسخ لابد له من معرفة التاريخ، والتاريخ هنا معروف، فإن حديث طلق بن علي كان قديماً، حيث جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده في الصلاة الأولى، وأما حديث بسرة بنت صفوان فهو متأخر، فيكون ناسخاً لحديث طلق بن علي.

وذهب آخرون إلى الترجيح، فقالوا: حديث بسرة أرجح وأصح؛ لأنه أصح سنداً من حديث طلق بن علي، ولهذا قال البخاري رحمه الله: إن حديث بسرة أصح شيء في هذا الباب.

قالوا: ويؤيد هذا أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق على الأصل، والشريعة ناقلة وليست مبقية على الأصل، فدل على أن حديث بسرة هو المعول عليه، وهذا هو الصواب.

فالصواب العمل بحديث بسرة، سواء أقلنا: إن حديث طلق منسوخ، أم قلنا: إن حديث بسرة أرجح، فهو أصح سنداً، وإذا قيل بالنسخ فإن حديث طلق بن علي معروف أنه متقدم؛ لأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده، وحديث بسرة متأخر، والمتأخر لا يصح نسخه.

وذهب بعض العلماء إلى أن الوضوء من مس الذكر مستحب وليس بواجب، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه، ولكن الصواب العمل بحديث بسرة؛ فهو أصح سنداً، وإذا قيل بالنسخ فالعمدة على حديث بسرة على الصواب لأنه متأخر، فيجب الوضوء من مس الذكر مطلقاً، سواء مس ذكره؛ لما ورد في اللفظ الأول: (من مس ذكره فليتوضأ)، أو مس ذكر غيره؛ للفظ الآخر: (من مس الذكر فليتوضأ)، لكن بشرط أن يفضي إليه بدون حائل، وبشرط أن يكون المس بظاهر الكف أو باطنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>