للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إسناد آخر لحديث أنس في قصة العرنيين]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن وهب قال: حدثنا محمد بن سلمة قال: حدثني أبو عبد الرحيم قال: حدثني زيد بن أبي أنيسة عن طلحة بن مصرف عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قدم أعراب من عرينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، فاجتووا المدينة حتى اصفرت ألوانهم وعظمت بطونهم، فبعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح له، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا، فقتلوا راعيها، واستاقوا الإبل، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم فأتي بهم، فقطع أيدهم وأرجلهم، وسمر أعينهم).

قال أمير المؤمنين عبد الملك لـ أنس وهو يحدثه هذا الحديث: بكفر أم بذنب؟ قال: بكفر.

قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحداً قال عن يحيى عن أنس في هذا الحديث غير طلحة.

والصواب عندي -والله تعالى أعلم- يحيى عن سعيد بن المسيب مرسل].

يرى المؤلف رحمه الله: أن الصواب في هذا السند أنه مرسل، أي: مرسل يحيى عن سعيد، ولا يلزم منه عدم سماع يحيى من أنس، فإن يحيى تابعي صغير، وأنس طالت حياته إلى زمن الحجاج فيمكن سماعه منه، والنسائي يقول: أنه من رواية يحيى عن سعيد، لا يلزم منه عدم سماع يحيى من أنس، وقول المؤلف معناه: أن رواية يحيى بن سعيد عن أنس منقطعة.

إذاً: فالمؤلف رحمه الله يقول: لا نعلم أحداً قال: عن يحيى عن أنس غير طلحة، يعني: رواه طلحة بن مصرف عن يحيى بن سعيد عن أنس.

والصواب: فيه أنه عن يحيى عن سعيد بن المسيب، فيكون مرسلاً، ومراسيل سعيد بن المسيب جيدة، بل وجد أنها من أصح المراسيل.

وتتبعها بعض العلماء فوجدوها موصولة، وهذا السند يحتاج إلى مراجعة؛ لأن النسائي رحمه الله من أهل الحديث ومن أهل الجرح والتعديل، وكانت له عناية بهذا الفن رحمه الله، وقد تكلم في هذا السند، لكن على كل حال فالحديث ثابت عند مسلم رحمه الله.

وعقاب النبي صلى الله عليه وسلم للعرنيين فيه جمع بين الحد والقصاص، فاقتص منهم بأن سمر أعينهم كما فعلوا بالراعي أو بالرعاة، وقطع أيديهم وأرجلهم حداً؛ لأنهم قطعوا الطريق، وقاطع الطريق حده أن تقطع يده ورجله من خلاف، وتركوا حتى ماتوا؛ لأنهم كفروا، ولم تحسم أيديهم وأرجلهم، فجمع لهم النبي صلى الله عليه وسلم بين القصاص والحد والقتل، ولو لم يستوجبوا القتل لحسم أيديهم وأرجلهم بالدهن ونحوه، كما تحسم يد السارق بالدهن إذا قطعت، وقديماً لم يكن عندهم ما يوقف الدم، وأما الآن فقد تطور الطب الحديث فتحسم اليد بعد قطعها بأشياء تمنع الدم، فإذا قطعت يد السارق أو يد قاطع الطريق أو قطعت يده ورجله فتحسم ويقف الدم ويعيش، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما حسمها؛ لأنه أراد أن يقتلهم؛ لأنهم كفروا وارتدوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>