للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اختلاف روايات صفة التيمم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الاختلاف في كيفية التيمم.

أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه أخبره عن أبيه، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتراب فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب)].

هذا يقال فيه كما سبق، أي: أنهم فعلوه باجتهادهم، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم الحكم وعلمهم السنة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التيمم والنفخ في اليدين.

أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن سلمة عن أبي مالك، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال: (كنا عند عمر رضي الله عنه فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! ربما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء؟ فقال عمر: أما أنا فإذا لم أجد الماء لم أكن لأصلي حتى أجد الماء، فقال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنت بمكان كذا وكذا ونحن نرعى الإبل فتعلم أنا أجنبنا؟ قال: نعم، أما أنا فتمرغت في التراب فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: إن كان الصعيد لكافيك وضرب بكفيه إلى الأرض، ثم نفخ فيهما ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه، فقال: اتق الله يا عمار! فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت لم أذكره، قال لا ولكن نوليك من ذلك ما توليت)].

قوله: (ثم نفخ) فيه مشروعية النفخ إذا كان التراب كثيراً؛ لأن المقصود التعبد وليس التوسخ بالتراب، ود ورد النفخ في بعض الروايات وورد عدم النفخ في بعضها، فلعل هذا أحياناً كان ينفخ وأحياناً لا ينفخ.

قوله: (مسح وجهه وبعض ذراعيه) لعل المراد بـ (بعض ذراعيه) طرف الساعد مما يلي الكف.

قول عمر لـ عمار: (اتق الله يا عمار) يدل على أنه ما زال ناسياً، ولما يتذكر الحادثة، وقد ذكره عمار لكنه لم يتذكر فقال له: يا أمير المؤمنين! أما تذكر أنا أجنبنا؟ وأنا تمرغت وأنت ما صليت، وجئنا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرناه، فلم يذكر عمر الحادثة.

ولذلك قال: (اتق الله يا عمار!) يعني: تأكد من الأمر، فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت لم أذكره، وإن شئت ما حدثت الناس بهذا.

وفيه دليل: على طاعة ولي الأمر في هذا، وأنه إذا منعه من شيء امتنع، فكأن عمر يقول له: لا تحدث بهذا أو لا تذكره؛ لأن الحجة قائمة بغيره، فإذا سكت أحد، فسيبلغ غيره، وعمر يعلم أنه قد بلغت هذه القصة الناس، وسمعوها منه ومن غيره، فزال خوف الكتمان، ولهذا (قال: إن شئت لم أذكره) أي: إن شئت ما حدثت به الناس، قال له عمر: (لا، ولكن نوليك ما توليت) يعني: أنت المسئول عن هذا الشيء، ما دام أنك تذكره نوليك ما توليت، وكأن عمر لا يزال في نسيان، ولما يتذكر، وخفيت عليه الآية، أي: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التيمم.

أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا بهز قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه (أن رجلاً سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن التيمم فلم يدر ما يقول، فقال عمار: أتذكر حيث كنا في سرية فأجنبت فتمعكت في التراب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما يكفيك هكذا - وضرب شعبة بيديه على ركبتيه- ونفخ في يديه ومسح بهما وجهه وكفيه مرة واحدة)].

وذر هذا هو ذر بن عبد الله المرهبي، ثقة عابد، وكون عمار تمعك في التراب هذا قياس منه للتيمم للجنابة على الغسل منها، يعني: كما أن الغسل من الجنابة يعمم فيه البدن بالماء، فقاس عمار التيمم عليه فعمم بدنه بالتراب، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن التيمم عن الجنابة وعن الحدث الأصغر واحد، وهو ضربة واحدة بكفيه على التراب، ويمسح بهما وجهه وكفيه.

وإذا وجد التراب فهو المطلوب، فيفعل كما أخبر الله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:٦].

وإذا لم يجده فبما تصاعد على الأرض، لقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦].

وهل أتى عمار بالتيمم المشروع خلال تمعكه في التراب أم لا؟ هذا فيه تفصيل مسكوت عنه، وظاهره أنه حصل منه التيمم وزيادة، فعلمه النبي ما يجب عليه.

وما معنى: (وضرب شعبة بيديه على ركبتيه)؟ أي: أن شعبة يبين كيفية الضرب.

وبدلاً من أن يضرب على الأرض ضرب على ركبتيه، تبييناً للكيفية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التيمم.

أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة عن الحكم سمعت ذراً يحدث عن ابن أبزى عن أبيه قال: وقد سمعه الحكم من ابن عبد الرحمن قال (أجنب رجل فأتى عمر رضي الله عنه فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، قال: لا تصل، قال له عمار: أما تذكر أنا كنا في سرية فأجنبنا فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فإني تمعكت فصليت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك، وضرب شعبة بكفه ضربة ونفخ فيها، ثم دلك إحداهما بالأخرى، ثم مسح بهما وجهه؟ فقال عمر شيئاً لا أدري ما هو، فقال: إن شئت لا حدثته) وذكر شيئاً في هذا الإسناد عن أبي مالك وزاد سلمة قال: بل نوليك من ذلك ما توليت].

وهذا كما سبق، ولعله أراد تخفيف التراب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نوع آخر: أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا شعبة عن الحسن وسلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: (أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء، فقال عمر: لا تصل، فقال عمار: أما تذكر - يا أمير المؤمنين - إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب ثم صليت، فلما أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال: إنما يكفيك وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما فمسح بهما وجهه وكفيه).

شك سلمة وقال: لا أدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين.

قال عمر: نوليك من ذلك ما توليت.

قال شعبة: كان يقول: الكفين والوجه والذراعين.

فقال له منصور: ما تقول؛ فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك! فشك سلمة فقال: لا أدري ذكر الذراعين أم لا].

وعبد الله بن تميم هذا هو المصيصي بالتخفيف، نسبة إلى بلدة مصيصة على وزن عظيمة، بلد بالشام، وهذا الحديث هو الحديث السابق، لكن المؤلف رحمه الله يكرر الأسانيد للتقوية.

وفيه: أن سلمة شك فقال: لا أدري إلى المرفقين أو الكفين.

وقد جاءت الأحاديث تدل على الجزم فيه، وأنه إلى الكفين، فهذا شك منفي في الأحاديث، ولهذا قال له منصور: ما تقول: فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك! فقال: لا أدري.

لكن الأحاديث الأخرى بينت أن التيمم إلى الكفين.

وفي الحديث السابق قال عمار: (وأنا في الإبل) وقال هنا: (أنا وأنت في السرية) فيحتمل أن تكون قصتين، ويحتمل أن تكون قصة واحدة كانا فيها في الإبل في نفس السرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>