للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التوقيت في الماء.

أخبرنا الحسين بن حريث المروزي حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)].

هذا الحديث يسمى حديث القلتين، وهو حديث ابن عمر، وهو مشهور بحديث القلتين، وفي سنده الوليد بن كثير، قال فيه الحافظ في التقريب: مقبول.

والمقبول إنما يحتج به في المتابعات لا في الأصول، لكن الحديث له طرق تشهد له، فهو حديث لا بأس بسنده على الصحيح، وقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، والصواب أنه حديث صحيح، لا بأس بسنده، واحتج به الجمهور والكثير من الفقهاء على التوقيت في الماء، كما بوب المؤلف رحمه الله، فيعتبر حداً فاصلاً بين القليل والكثير، فما بلغ قلتين فهو كثير، وما كان دون القلتين فهو قليل، وعملوا بمفهومه ومنطوقه، فقالوا: إن منطوق الحديث أنه إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس بملاقاة النجاسة إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه، أما إذا كان أقل من القلتين فإنه ينجس بمجرد الملاقاة، ولو لم يتغير.

فجعلوا هذا حداً فاصلاً.

والقلة قريبة من قربتين ونصف، فتكون القلتان خمس قرب، فإذا بلغ الماء خمس قرب فإنه لا يتأثر بنجاسة ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه، أما إذا كان أقل من القلتين فإنه ينجس ولو لم يتغير، عملاً بالمنطوق والمفهوم.

وذهب جمع من المحققين إلى أن مفهوم هذا الحديث ملغى معطل، والذي ألغاه حديث أبي سعيد في بئر بضاعة، وهو (الماء طهور لا ينجسه شيء)، فلا ينجس الماء مطلقاً، قليلاً كان أو كثيراً، إلا إذا تغير أحد أوصافه.

وقد ذهب إلى هذا جمع من المحققين، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وتبعهما الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله، فذهبوا إلى هذا القول، وهو أن الماء - قليلاً كان أو كثيراً - لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه، عملاً بحديث أبي سعيد، وأما حديث القلتين فإن مفهومه أنه إذا كان أقل من القلتين فإنه ينجس، وهذا المفهوم ألغاه منطوق حديث أبي سعيد (الماء طهور لا ينجسه شيء)، فلا يعمل بمفهوم حديث القلتين، وإنما يعمل بالمفهوم إذا لم يعارضه غيره، وهذا عارضه حديث أبي سعيد، ما لم يكن الماء قليلاً في الأواني؛ فإنه يراق؛ لما جاء في بعض ألفاظ حديث ولوغ الكلب: (فليرقه)، فإذا كان الماء قليلاً في الأواني الصغار فإنه يراق، أما ما زاد على ذلك فلا.

والمسلم ينبغي له أن يتأمل وينظر إذا وقعت في الماء الذي دون القلتين النجاسة؛ لأنه قد يتغير وهو لا يشعر بها، فإذا وقع فيه نجاسة فليتأمل ولينظر، فإن غيرت أحد أوصافه فهو نجس، وإلا فهو طاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>