للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث عائشة في وقوع يدها على قدم رسول الله وهي تتحسسه]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ونصير بن الفرج -واللفظ له- قالا: حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فجعلت أطلبه بيدي، فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد يقول: أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)].

هذا فيه أن يدها وقعت على قدميه، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسها، بل هي التي مسته، وفيه أنه وقعت يدها على رجليه وهما منصوبتان، وقد أشكل هذا على بعض الناس، فقال: هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يفرج بين رجليه في السجود، بل يلصقهما.

وهذا ليس بلازم؛ لجواز أن تكون مرت بيدها على رجل ثم مرت بها على رجل أخرى وإن كان بينهما فرجة، ولا يلزم أن تكون رجلاه ملتصقتين.

وهذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله بوب فيها بترك الوضوء من مس المرأة بغير شهوة، واحتج بهذه الأحاديث، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم غمزها وهو يصلي، والمصلي يبعد أن يكون عنده شهوة, ولهذا ذهب الحنابلة وغيرهم إلى أن مس المرأة بدون شهوة لا ينقض الوضوء فإن كان بشهوة فإنه ينقض الوضوء.

وذهب بعض العلماء إلى أن مس المرأة ينقض الوضوء، سواء وقع بشهوة أو بغير شهوة وهذا مذهب الشافعية، وفيه حرج ومشقة، حتى قال بعض الشافعية المتأخرين: إن الإنسان إذا توضأ وأراد أن يطوف بالمسجد الحرام فإن عليه أن يحرص على ألا يمس امرأة.

وكيف يحرص وهو لا يستطيع، لا سيما في الزحام في الموسم، والنساء عند الأبواب وفي المطاف، فإذا مس يد امرأة رجع ليتوضأ، فإذا توضأ لابد من أن تمس يده امرأة عند الباب أو في الطريق، أو في المطاف، فيرجع، وهكذا، وهذا حرج لا تأمر بها الشريعة.

وذهب آخرون -وهو قول ثابت لفريق من أهل العلم- إلى أن مس المرأة لا ينقض الوضوء بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء، كما إذا خرج منه مذي، فإذا وقع ذلك انتقض الوضوء لخروج المذي، وأما إذا لم يخرج منه مذي فإنه لا ينتقض وضوؤه، وهذا هو الصواب، فالصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً بشهوة أو بغير الشهوة، إلا إذا خرج منه المذي، وأما قول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:٤٣] فالمراد بالملامسة الجماع؛ لأن الله تعالى ذكر في آية الوضوء الحدث الأكبر والحدث الأصغر، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:٦]، ثم ذكر التيمم من الحدث الأصغر والتيمم من الحدث الأكبر، فقال: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣]، فذكر الحدثين الأصغر والأكبر، فقوله تعالى: (أو لامستم) هذا في الحدث الأكبر، وقوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط) هذا في الحدث الأصغر.

ويدل على أن مس المرأة لا ينقض ولو بشهوة حديث الباب الذي بعد هذا، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ، ومعلوم أن القبلة تكون فيها الشهوة، فما قبل إلا من شهوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>