للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (انقضي رأسك وامتشطي)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ذكر الأمر بذلك للحائض عند الاغتسال للإحرام.

أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا أشهب عن مالك أن ابن شهاب وهشام بن عروة حدثاه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللت بالعمرة، فقدمت مكة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج ودعي العمرة، ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك).

قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث غريب من حديث مالك، عن هشام بن عروة لم يروه أحد إلا أشهب].

هذا إنما كان في حجة الوداع، لحديث: (لما خير النبي صلى الله عليه وسلم الناس عند الإحرام منهم من أهل بحج، ومنهم أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج وعمرة، قالت عائشة: فكنت ممن أهل بالعمرة، فأهلت بالعمرة، فلما قاربت مكة وكانت بسرف حاضت، فلم تتمكن من العمرة، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، قال: ما لك أنفست؟ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)، وفيه دليل على تسمية الحيض نفاساً، وقال لها: (انقضي شعرك وامتشطي واغتسلي، وأهلي بالحج ودعي العمرة) يعني: دعي أعمالها، وإلا فهي أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، وهذا الاغتسال من أجل الإتيان بالحج، وقد اغتسلت قبل أن تحرم بالعمرة، لكن هذا الاغتسال من أجل إهلالها بالحج.

وإذا كانت الحائض تؤمر بنقض شعر رأسها لغسل الإحرام وهو مستحب فنقضها من أجل غسل الحيض أولى؛ لأنه غسل واجب، فإذا طهرت المرأة من المحيض وجب عليها أن تغتسل، والأفضل أن تنقض الشعر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنقض شعرها من أجل الغسل للإحرام وهو مستحب، فنقضه من أجل الطهارة من الحيض أولى وأولى لكنه ليس بواجب، فتنقضه بأصابعها وتمشطه بأصابعها أيضاً، ولا يلزم أن يكون بالمشط الذي يقطع الشعر وهي محرمة، بل تمشط الشعر بيديها، فهذا يسمى الامتشاط ولا يلزم أن يكون معه شيء آخر كالحناء أو الورس، ولا يلزم أن يكون بالمشط، ويظن بعض الناس أن عليها أن تكده بالمشط، وكده بالمشط لابد أن يسقط شعراً متعمداً وهي محرمة الآن، وإنما تغسل الشعر وتجعله مستقيماً بيديها من دون المشط؛ لأن المشط يقطع الشعر، فإذا كانت الحائض تؤمر بالغسل فغيره من باب أولى، وإذا كانت تؤمر بنقض الشعر لغسل الجنابة وهو غسل مستحب فنقضه لغسل الحيض أولى وأولى، فدل على أنها أفضل وليس بواجب، ويدل على ذلك رواية أم سلمة: (أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة؟ قال: لا)، أي: لا يجب وإنما هو مستحب، فإن نقضت فهو أفضل، وإن لم تنقضه وصبت الماء على رأسها والضفائر على حالها فلا حرج.

وقوله: (دعي العمرة) أي: دعي أعمالها، فصارت أعمالها داخلة مع أعمال الحج، فصار للحج والعمرة طواف واحد، وسعي واحد، فلما انتهت لم تطب نفسها على عادة كثير من النساء، فقالت: (يا رسول الله! يذهب صواحباتي في حج وعمرة وأذهب في حج؟) وهي ذاهبة بحج وعمرة، لكنها عمرة داخلة في الحج، وهي تريد عمرة مستقلة، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها عمرة أخرى من التنعيم بعد الحج، حتى تفعل عمرتين: عمرة مع الحج، وعمرة مستقلة بعد الحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>