للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث أبي جحيفة في نيله من فضل وضوء رسول الله]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال: حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدره الناس، فنلت منه شيئاً، ورُكِزت له العنزة فصلى بالناس والحمر والكلاب والمرأة يمرون بين يديه)].

وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه مشروعية السترة حتى في مكة، ولهذا بوب البخاري فقال: (باب السترة في مكة وغيرها)، فدل على أن مكة ليس لها خصوصية أنه لا تشرع فيها السترة، بل السترة مشروعة للمصلي في مكة وفي غير مكة، لكن في المسجد الحرام إذا اشتد الزحام وعجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

وفيه أن الإنسان إذا صلى إلى السترة فلا يضره من مر من ورائها من الحمر والكلاب والنساء، وأما إذا لم يكن له سترة ومر حمار أو كلب أو امرأة بالغ قريباً منه فإن الصواب أنه تبطل الصلاة، لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع صلاة المرء -إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل- المرأة، والحمار، والكلب).

وأما الجمهور فقد تأولوا هذا الحديث بأن المراد قطع الثواب، واستدلوا بأحاديث، منها: (لا يقطع الصلاة شيء) لكنه حديث ضعيف، والصواب أنها تبطل.

وفيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص به عليه الصلاة والسلام في حياته، ولهذا ابتدر الناس وضوءه، وصاروا يأخذون القطرات مما توضأ منه، وفي رواية البخاري: (فمن نائل منه وناضح)، فكانوا يأخذون القطرات ويتبركون بها؛ لما جعل الله في جسده عليه الصلاة والسلام وما لمس جسمه من البركة، ويمسحون وجوههم وأيديهم.

وكان إذا تفل أو تنخم صارت نخامته في يد واحد من الصحابة يدلك بها وجهه وجسمه، ولما نام عند أم سليم -وكان بينه وبينها محرمية- فعرق سلتت العرق، فجعلته في قارورة مع طيب لها، وقالت: إنه لأطيب الطيب.

فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا يقاس عليه غيره، ولهذا لم يفعل الصحابة هذا مع أبي بكر ولا مع عمر؛ لأن هذا من وسائل الشرك، ويؤدي إلى الغلو، فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته.

وفي الحديث الأول الانتفاع بفضل الوضوء بالشرب، وفي هذا الانتفاع بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرك.

وقد كانت عائشة رضي الله عنها ترى أن مرور المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة كما ما ذهب إليه الجمهور، وقالت: شبهتمونا بالحمير والكلاب! وقد رأيتني وأنا معترضة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي.

وقد ظنت رضي الله عنها أن هذا مرور، وهذا ليس بمرور، فكون المرء ينام أمام المصلي لا يعتبر مروراً، بل المرور هو أن يأتي المرء من هذا الجانب إلى هذا الجانب.

وأما المرور بين يدي الصف فليس كالمرور بين يدي الإمام؛ إذ المأموم تابع للإمام، وفي قصة مرور ابن عباس بين الصوف لم يذكر أنه مر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>