[ضبط الكتاب]
النوع الثاني من الضبط ضبط الكتاب، وهو ألا يعتمد الراوي في سماعه للحديث على صدره وقلبه، وإنما يعتمد على ما كتبه بعد شيخه.
فضبط الكتاب أن يكتب الراوي ما يسمعه من الشيخ في كتاب أو في صحيفة.
ويُشترط لمن كانت هذه صفته شروط: الشرط الأول: أن يقابل أو يراجع هذا الكتاب على نسخة الشيخ الذي سمعه منه؛ حتى يقره الشيخ على صحة سماعه وكتابته.
فربما يكون ذلك الرجل الذي كتب خلف الشيخ تصحّف عليه السماع وكتبه في كتابه مصحفاً، أو تحرّف عليه السماع وكتبه محرّفاً.
وذلك مثل من كتب في كتابه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا نغير! ما فعل البعير؟)، فلما انتصب للتدريس ألقى على تلاميذه الحديث بهذا الشكل: (يا أبا نغير! ما فعل البعير؟).
وتكلّف في تأويله وشرحه، فقال له أحد التلاميذ: ليس هكذا الحديث أيها الشيخ! وإنما هو (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟).
وأبو عمير هذا أخو أنس بن مالك من أمه، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كنّاه بـ أبي عمير، وكان معه نغير -وهو طائر بين اليمامة والعصفور من طيور المدينة- يلعب به، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح هذا الغلام الصغير، ويقول له: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) أي: ما الذي تفعله مع طائرك الصغير؟ وهذا الحديث يؤخذ منه فوائد جمة، وقد صنّف فيه أحد السلف كتاباً بعنوان: الفوائد المستنبطة من حديث أبي عمير، وذكر فيه ستين فائدة، والكتاب مطبوع ومعروف.
ولا شك أن هذا الراوي وقع فيما وقع فيه من خطأ؛ لأنه لم يلتزم بشروط ضبط الكتاب.
الشرط الثاني: إذا لم يكن عند الشيخ وقت للمراجعة أو لم يوافق الطالب على مطلبه، أو كان الشيخ سيئ الخلق، أو حاد المزاج ويهاب أن يُطلب منه هذا الطلب -وهذا موجود بكثرة في السلف- فعلى الطالب أن يراجع نسخته على نسخة أقرانه.
وإذا لم يكتب أحد غيره فلا مانع أن يراجع مكتوبه على مسموع غيره، فليس بلازم أن تكون المقابلة على مكتوب، بل يمكن أن تكون على مسموع.
الشرط الثالث: أن يحافظ على هذا الكتاب من كل ما يتلفه من حرق وغرق وإتلاف وإفساد، وغير ذلك من الأمور التي تطرأ وتفسد الأوراق، فإذا تعرّض الكتاب لما يتلفه فلا بد وأن يتوقف الراوي عن الرواية.
الشرط الرابع: أن يحدث الراوي وقت التحديث من الكتاب لا من حفظه.