يقول: مثّل ابن الصلاح للنوع الأول -وهو السقط من الإسناد- بما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة مرفوعاً:(إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين).
ففيه انقطاع في موضعين.
والناظر إلى هذا الإسناد لا يدرك الانقطاع؛ لأن كل راو من هؤلاء أدرك الذي فوقه، ولكن هذا الإسناد بعينه منقطع في موضعين.
يقول: أحدهما: أن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري، وإنما رواه عن النعمان بن أبي شيبة الجندي عنه، فبين عبد الرزاق وبين الثوري النعمان بن أبي شيبة الجندي، وهذا أول نوع من أنواع الانقطاع.
والانقطاع الثاني: أن الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق، وإنما رواه عن شريك عنه، فبين الثوري وبين أبي إسحاق شريك.
فالانقطاع هنا في موضعين، والناظر إلى هذا الإسناد لأول وهلة لا يتفطن إلى هذا الانقطاع، ولكن لو قال عبد الرزاق: عن شيخه عن الثوري عن شيخ عن أبي إسحاق فلن يتوقف عن الحكم عليه بالضعف؛ للجهالة التي فيه.
وأما في حالة الانقطاع فقد ينظر إلى ترجمة رجاله، فإذا وجد أن جميعهم ثقات حكم بأنه صحيح، وهو لا يدري أن فيه انقطاعاً.
وقد يسقط الراوي من فوقه وهو ليس مدلساً، وإنما من باب أن هذا الأمر كان معلوماً عندهم، وقد كانوا لا يلتزمون ذكر الإسناد لوجود الأمانة بينهم ومعرفة ذلك، ولم يكونوا يحتاجون إلى الإسناد أصلاً حتى وقعت الفتن فقالوا: سموا لنا رجالكم، ونسمي لكم رجالنا، فما كان من أهل السنة أخذوا عنه، وما كان من غيرهم طرحوا حديثه.