قال ابن الصلاح رحمه الله: إذا انفرد الراوي بشيء، فإن كان هذا الانفراد مخالفاً لما رواه من هو أولى منه -أي: من هو أوثق منه- أو أكثر منه عدداً وأضبط؛ كان ما انفرد به شاذاً مردوداً، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو، فيُنظر في هذا الراوي المنفرد، فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قُبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به، كان انفراده خارماً له، مزحزحاً له عن حيز الصحيح.
فهذه الزيادة تكون بمثابة الحديث الجديد، فلو قال راو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من علامة المنافق إذا خاصم فجر) فما الذي يمنع أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم الحديث عدة مرات وفي مواطن مختلفة، وحسب حال السائل نفسه، فربما علم النبي صلى الله عليه وسلم من هذا السائل سوء خلقه عند الخصام وأنه يفجر، فأراد أن يعالج فيه هذا، وهذا معلوم كثير، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له:(قل لي في الإسلام قولاً ولا تكثر، فقال: لا تغضب).
وقد كان يسأل عن أي الأعمال أفضل، فكان يجيب كل واحد بما ينفعه، وكانت تتعدد الحوادث فتتعدد الروايات بما يناسب الحال والمقام، وبما يناسب حال السائل وإصلاحه.
وليس هناك مانع أن يكون الراوي وقع له مناسبة لم تقع للآخرين مثلها، فمسألة زيادة الثقة هي بمثابة الحديث المستقل.
وإذا قبل ما انفرد به الثقة عن الناس فيلزم قبول الزيادة في حديثه الذي شارك فيها غيره من الثقات ما لم يخالف، فإن خالف فهو شاذ.
إذاً: الراوي الثقة إما أن يوافق غيره، وإما أن يخالفه، فإن خالفه فحديثه شاذ، وإن وافقه في أصل روايته فلا إشكال فيه، وإن زاد على روايته شيئاً لم يذكره فيقبل باعتبار أنه حديث مستقل.