التدليس مذموم، وقد قال بعض العلماء: التدليس أخو الكذب.
والأسباب الداعية لذم المدلس: أولاً: لأنه يوهم السماع ممن لم يسمع منه.
ثانياً: عدوله عن الحقيقة إلى الاحتمال.
فلو قال المدلس: حدثني فقد أراحنا من البحث، ولو قال: عن وقال فقد كلفنا بجمع طرق الحديث والبحث عن كونه صرح بالتحديث أم لا، فعدول الراوي المدلّس عن الحقيقة إلى الاحتمال يحير الباحث، ولهذا ذُم التدليس.
ثالثاً: يقينه بأنه لو كشف الذي دلّس عنه لم يكن مرضياً، فقد يكون المدلَّس عنه مبتدعاً فيسقطه حتى يقال: إن شيوخه من أهل السنة، فيقوم بإسقاط شيخه البدعي، أو يكون شيخه صغير السن، أو ضعيفاً، فيظن أنه لو ذكره سيكون منقصة له، أو يكون متيقناً أن شيخه ليس مرضياً، فتعمده التدليس لا شك سبب في ذمه، وهذه من الأغراض الحاملة على تدليس الشيوخ.
رابعاً: ومن الأسباب الحاملة لتدليس الشيوخ كراهة أن يذكر شيخه في كل مرة على وجه واحد، فينوع صفاته، وهذا التنويع يوعّر ويصعّب الوصول إلى معرفة ذلك الشيخ، مما يوهم الباحث أن هؤلاء شيوخ عدة، وهو في الأصل شيخ واحد، وهذا أيضاً من أسباب ذم المدلس.
والمدلس لا يدلس عن ثقة إلا إذا كان فيه عيب آخر.
والمدلّس قد يحدث بالحديث بصيغة قال وعن، ثم يسمعه بعد ذلك من الشيخ الذي دلس عليه، فيصرح بالتحديث آخراً.
ويمكن أن يكون الشيخ المدلس هذا قد ذكر الحديث بصيغة قال وعن في مجلس المذاكرة أو المسامرة، لا مجلس التحديث، فنقل عنه الذي تذاكر معه وسامره هذا الحديث بصيغة قال أو عن حسب ما سمعه منه، وأما الشيخ نفسه فقد يصرّح بالسماع في مجلس التحديث.