[أسباب التوسع في نقد الحديث ونشاط التأليف في الحديث]
وفي أوائل هذا القرن -أي: القرن الثاني- وجد من يروي المرسل والمنقطع، ووجد الضعفاء من صغار التابعين، وأما في منتصفه فازداد أهل البدع والأهواء، وكثرت الفرق التي منها ما كان داخلاً في الإسلام، ومنها ما هو مارق بالكلية، كالإسماعيلية والباطنية والفاطمية وغيرهم، فإنهم لا حظ لهم في الإسلام البتة، وظهر من يتعمد الكذب، واضطر أئمة الحديث إلى توسيع النظر والاجتهاد في التفتيش عن الرواة، ونقد الأسانيد، فتكلم الإمام مالك في الرواة وصنّف كتاباً سمّاه الموطأ بإذن المنصور، ولم يرو فيه إلا الأحاديث المقبولة -أي: التي ثبتت عدالة رواتها عنده، ولم يأخذوا إلا عن الموثوقين الضابطين للحديث، كما تكلم شعبة بن الحجاج ومعمر وهشام الدستوائي، ثم ابن المبارك وابن عيينة، وكل هؤلاء كانوا من أئمة نقد الرجال والأحاديث.