اختلف أهل العلم في تدوين الحديث بين مجيز ومانع، وبين مجيز بشروط، وليس هذا وقت تفصيل هذه المسألة.
وفي حديث عبد الله بن عمرو حينما قال له أهل قريش: إنك تكتب عن رسول الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا -وقصدوا بذلك أنه يتكلم بكلام لا يستحق أن يسجّل في وقت غضبه- فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اكتب؛ فوالذي نفس محمد بيده لا يخرج منه إلا حقاً، وأشار إلى فيه صلى الله عليه وسلم).
وفي حديث أبي شاة الرجل اليمني الذي حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع لما سمع منه تلك الخطبة المشهورة قال كما في حديث جابر في صحيح مسلم الطويل:(مر لي بكتابة هذا الكلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لـ أبي شاة).
وجاء في حديث آخر النهي عن كتابة الحديث، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تكتبوا عني ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه).
وهذا ظاهره المعارضة للحديثين السابقين، ويمكن الجمع بين هذه الأدلة بأن النهي عن كتابة الحديث كان في صدر النبوة؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام وبكلام الله عز وجل وكلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكان هناك خشية وخوفاً من اختلاط الكلام النبوي بكلام الله عز وجل، فنهوا في أول الأمر عن التدوين، خاصة وأن العرب كانوا أهل حفظ وضبط وإتقان، فاستغنى الناس في أول الزمان بالحفظ والسماع عن الكتابة والتدوين، ولم يكن هناك حاجة لتدوين الحديث.
وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة بتدوين ونسخ القرآن الكريم، واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم له كُتّاباً سموا بكتاب الوحي، قيل: إنهم كانوا أربعة وعشرين رجلاً، وقيل: أربعين رجلاً.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بنسخ القرآن وكتابته، ولكن الخلاف دار حول مسألة تدوين الحديث، فكان المنع ثم الإباحة بعد ذلك، وكان المنع لعلة، ثم لما انتفت العلة أبيحت الكتابة.