[بعض صور العلل القادحة وغير القادحة]
النوع الأول: العلة القادحة في الإسناد دون المتن، وتقدح فيه ولا تقدح في المتن، وذلك كحديث: (البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع).
وهذا بخلاف البيوع المحرّمة والمنهي عنها، كالملامسة والمنابذة، وقد كانت هذه البيوع موجودة في الجاهلية، فقد كان البائع يقول للمشتري: انبذ إلي وأنبذ إليك، بمعنى: لو دفعت لك السلعة فقد وجب عليك أن تدفع لي الثمن أعجبتك أو لم تعجبك، وفي الملامسة كان يقول له: لا تضع يدك على السلعة، فلو وضعت يدك عليها فقد وجب البيع.
وهذا الحديث رواه يعلى بن عبيد الطنافسي عن الثوري عن عمرو بن دينار، ويعلى بن عبيد هو الوحيد الذي يرويه عن الثوري عن عمرو بن دينار، وأصحاب الثوري يروونه عن الثوري عن عبد الله بن دينار وليس عن عمرو، ففي هذه الحالة نقول: إن يعلى بن عبيد أخطأ في هذا الإسناد، فقال: إن شيخ الثوري عمرو بن دينار وهو في الحقيقة عبد الله بن دينار.
وهذه العلة لا تؤثر في المتن؛ لأنه أتى من وجوه أخر صحيحة.
النوع الثاني: أن تقع العلة في الإسناد وتقدح فيه وفي المتن معاً، وذلك مثل إبدال راو ضعيف براو ثقة، كـ حماد بن أسامة كان يروي عن شيخه عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وكان يعرف من اسمه عبد الرحمن بن يزيد فقط، فغلب على ظنه أن اسمه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فكان يقول من عند نفسه: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو في الحقيقة ابن تميم، فهنا يضعف الحديث رغم أن العلة لحقت بالإسناد؛ لأن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ضعيف وابن تميم ثقة، فهو أبدل الراوي الثقة براو ضعيف، فهذه العلة تقدح في السند والمتن معاً؛ لأن الراوي ضعيف.
النوع الثالث: أن تقع العلة في المتن ولا تقدح فيه ولا في الإسناد، كمثل ما وقع من اختلاف في ألفاظ كثيرة من أحاديث الصحيحين، فإن أمكن رد الجميع إلى معنى واحد فإن القدح ينتفي عنها، وهذا الذي نسميه وجوه الترجيح.
النوع الرابع من أنواع العلة: أن تقع العلة في المتن دون الإسناد، وذلك مثل حديث أنس رضي الله عنه: (أنهم كانوا لا يقرءون ببسم الله الرحمن الرحيم، وكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين)، فـ أنس فهم أنهم كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، وهناك فرق بين الصورتين؛ لأن السورة نفسها تسمى سورة الحمد، فحينما كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين، فهذا لا ينفي أنهم يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، فهي آية من الفاتحة على الراجح من أقوال أهل العلم، وأما قوله: كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فهذا نفي لقراءة البسملة، والصورة الأولى لا تمنع قراءة البسملة؛ لأن السورة نفسها يُطلق عليها سورة الحمد، فكانوا يبدءون القراءة بسورة الحمد، ولا ينفي ذلك أنهم يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم.
وقول أنس استدل به من قال: إن البسملة ليست آية من القرآن حتى الفاتحة.
والراجح: أنهم كانوا يذكرونها سراً.
النوع الخامس من أنواع العلة: أن تقع في المتن وتقدح فيه وفي الإسناد معاً، وذلك كالحديث الذي يرويه راو بالمعنى ويخطئ في معناه، والمراد بلفظ الحديث غير ذلك، فإن ذلك يستلزم القدح في الراوي.