للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصل نشأة علم مصطلح الحديث]

ثم يقول: وقد نشأ هذا العلم مع نشأة الحديث الشريف -يعني: نشأ هذا العلم ومسائله منذ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم- وكان صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام هو الواضع لجذور هذا العلم وأسسه، فقد جاء عنه أنه قال: (نضّر الله امرأ)، الحديث.

يقول: وقوله: (من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة).

فهذان الحديثان أصلان عظيمان في ضبط الرواية، فالحديث الأول في ضبط الرواية، (نضّر الله امرأ سمع منا مقالة فوعاها فأداها كما سمعها).

والحديث الثاني في وجوب تبليغ الحديث ونقله، وهذا أيضاً أصل من أصول الرواية، وقد فهم المسلمون من كل هذا أنه يجب عليهم أن يحفظوا عن رسولهم كل شيء، وقد فعلوا، وأدوا الأمانة على وجهها، ورووا الأحاديث عنه إما متواترة في اللفظ والمعنى، وإما متواترة في المعنى فقط، وإما مشهورة أو غير مشهورة.

أي: أحاديث الآحاد.

وكذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).

وهذا الحديث أصل عظيم في التحذير من وضع الحديث واختلاقه.

أي: وصنعه عليه صلى الله عليه وسلم وهو لم يقله.

وكما أن في القرآن الكريم توجيهاً عاماً إلى بعض قواعد هذا الفن، وهو التثبّت من صدق الراوي والتروي في تصديق خبره -أي: والتمهُّل في تصديق خبر المُخبِر- وذلك من قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:٦].

وهذه الآية بمفهوم المخالفة تدل على أن العدل لو أتى بالرواية لا يلزمنا أن نبحث فيما أتى به، وإنما نقبله لعدالته وضبطه وتوثيقه، إلا أن الصحابة الكرام كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم أمناء ضابطين، وما صدر عن بعضهم إنما هو نوع من السهو والخطأ والغلط؛ لأن هذا لا ينفك عنه إنسان، إلا الأنبياء فإنهم معصومون فيما أُمروا فيه بالبلاغ.

يقول: وهو نزر يسير -يعني: ما أخطأ الصحابة إلا في النزر اليسير- لا يكاد ينسب إليهم ولا تنبني عليه قواعد، وقد تلقى الصحابة أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم منه مباشرة، وشهدوا أفعاله وأحواله، فإذا أُشكل عليهم شيء كان يمكنهم الرجوع إليه صلى الله عليه وسلم لرفع هذا الإشكال أي: أنهم لم يكونوا بحاجة إلى علماء ونُقّاد يرجعون إليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يُغني عنهم وعن الأمة كلها.

فلم يكن لتشعب هذا العلم من حاجة في حياته صلى الله عليه وسلم؛ لأن العصر هو عصر وحي وتشريع، فلم يكن يُحتاج لأكثر من التحرز عن الوهم والخطأ والنسيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>