[مصطلحات الترمذي في جامعه]
ومن مصطلحات الترمذي في جامعه أنه أحياناً يقول: حديث غريب، وأحياناً: صحيح غريب، وأحياناً: حسن غريب، وأحياناً: حسن صحيح غريب، وأحياناً: حسن فقط، وأحياناً: صحيح فقط، وأحياناً: حسن صحيح.
فإذا قال: حديث غريب فإنه لم يصفه بهذا الوصف إلا والغالب عليه أنه ضعيف.
وإذا قال: حديث صحيح غريب، أو حسن غريب، فيعني أن الحديث أتى من وجه واحد بسند صحيح أو حسن، فهو يقصد بالغرابة هنا الغرابة الاصطلاحية.
فإذا قال الترمذي: حديث صحيح غريب فقد حكم عليه بالصحة وهو فرد، كحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، فقد قال عنه: حديث صحيح غريب، فهو غريب لأنه فرد، فقد أتى من طريق واحد، أي: من طريق فرد، وما يقال في الصحيح الغريب يقال في الحسن الغريب والعكس.
والغرابة مسألة عرفية معلومة، فإذا استنكرت شيئاً من إنسان قلت: هذا إنسان غريب، وتقصد أنه إنسان غير منضبط، وتصرفاته مشينة، وليست هذه هي الغرابة الاصطلاحية.
والغرابة إذا أطلقها الترمذي منفردة مثل قوله: حديث غريب فإنما يعني النكارة والضعف، وأما إذا جمع مع هذا المصطلح مصطلح من المصطلحات المقبولة مثل قوله: صحيح أو حسن فإنما يحكم على الحديث بأنه صحيح في ذاته وقد أتى من طريق واحد.
ومن مصطلحات الترمذي قوله: حسن صحيح غريب، أو صحيح حسن غريب.
وهذا مشكل، وهذه المسألة متعلقة بطرق الحديث، فإذا كان للحديث إسناد واحد فيه راو اختلف فيه أهل العلم النقّاد أصحاب الجرح والتعديل بين كونه تام الضبط أو خفيف الضبط، ولم يستطع الترمذي أن يرجّح بين أقوال أهل العلم في المسألة وقصرت عبارته عن أن يصنّف هذا الراوي في أحد الاتجاهين جمع بين الوصفين فقال: صحيح حسن، أي: صحيح باعتبار قول قوم في هذا الراوي، وحسن باعتبار قول أقوام آخرين في هذا الراوي نفسه.
فهو يجمع بين الوصفين باعتبار اختلاف أهل العلم في الراوي الواحد، هذا إذا كان الحديث له إسناد واحد يقول عنه: حسن صحيح، وكان الأولى أن يقول: حسن أو صحيح، أو يقول: صحيح أو حسن، ولكنه حذف همزة الشك، فبدلاً من أن يقول: صحيح أو حسن قال: صحيح حسن، أي: أنه جمع الوصفين باعتبار اختلاف أهل العلم في الراوي الواحد، وعدم ترجح أحدهما لديه.
وتفسير آخر لقول الترمذي: صحيح حسن، أنه قال ذلك باعتبار إسنادين، أي: أن هذا الحديث أتى بإسنادين، أحدهما رجاله ثقات، والآخر فيه راو صدوق، فلما أتى الحديث من طريقين أحدهما صحيح والآخر حسن جمع بين الصحة والحسن.
وعلى هذا فقول الترمذي في الحديث الذي روي بإسناد واحد أنه صحيح أقوى من الذي يقول فيه: صحيح حسن؛ لأن الجزم أولى من الشك، فإذا قال: صحيح فمعنى ذلك أنه رجّح جانب من قال: إن هذا الراوي ثقة.
وإذا كان للحديث إسنادان فقوله: صحيح حسن أقوى من قوله: صحيح فقط؛ لأنه في هذه الحالة قال ذلك باعتبار الإسنادين؛ لأنه لو قال: صحيح لانصب كلامه على الإسناد الأول وأهمل الثاني، ولا شك أن اعتبار الاثنين أقوى من اعتبار أحدهما.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصل اللهم على النبي محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.