ولما وقعت الفتنة بمقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وما تبع ذلك من التفرق وظهور الأحزاب والفرق في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وخاصة بعد مقتله، كالشيعة والخوارج.
وهاتان الفرقتان متضادتان، فالشيعة هم أشياع علي وأتباعه، والخوارج هم من خرجوا على علي بن أبي طالب.
وبظهور هاتين الفرقتين ظهر الوضع، وخاصة في بعض فرق الشيعة، وكذلك في بعض فرق الخوارج؛ لأنهم كانوا يستحلون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان الداعي لكل فرقة في وضع الأحاديث نصرة المذاهب، فالشيعة يضعون أحاديث لنصر مذهب التشيع، أو يضعون أحاديث في فضل علي وآل البيت، والخوارج يضعون أحاديث في فضل خروجهم على علي، أو في ذم علي ومن تبعه من الشيعة.
ورافق ذلك دخول بعض الملحدين بين صفوف المسلمين لإيقاد نار الفتنة بين تلك الفرق، كشأن الفُسّاق والمجرمين في كل زمان ومكان، ولتوسيع شقة الخلاف فيما بينها، وقد نشط بعض أولئك الملحدين وأهل البدع والأهواء في وضع الأحاديث المكذوبة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصرة مذهبهم، وتعظيم بدعتهم والالتفاف حول فرقتهم.
وقد تنبه العلماء من أهل السنة إلى هذا الخطر العظيم الداهم على السنة وأهلها، فوقفوا تجاه هذا الخطر موقفاً حكيماً، يدل على نباهتهم ودقتهم، فلم يعودوا يقبلون الأحاديث من أي إنسان، واشترطوا على الراوي ذكر من روى عنهم، فاشترطوا الإسناد في الرواية حينما وقعت الفتن وظهر الكذب، وكانوا ينظرون في الإسناد تارة وفي المتن تارة أخرى، فإن كان الإسناد فيه راو شيعي نظروا فيه، فإن كان شيعياً غالياً ردوا روايته، وإن كان غير غال نظروا بعد ذلك، هل الرواية التي رواها تؤيد بدعته أم لا؟ فإن كانت تؤيدها ردوا روايته، وإن لم تكن تؤيدها قبلوا روايته مع أن أحد رواتها مبتدع أو على خلاف منهج أهل السنة؛ لأن معظم الفرق لم تكن تستحل الكذب، والعدل يقتضي أخذ الكلام المنضبط من أصحاب العدالة ومن غير أصحاب العدالة، ما دام الكلام نفسه منضبطاً.
قال: وقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين وغيره من أهل العلم أنه قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد.