ولو عرفنا العلة والحكمة من حرص الصحابة على تقليل الرواية وتشددهم في قبول الأخبار؛ لعلمنا أنهم إنما كانوا يفعلون ذلك من باب الاحتياط والتحرز، لا رداً ولا تكذيباً لما يأتي به الصحابي؛ لأن الصحابة كلهم عدول، ومن قال فيهم بغير ذلك فإنما هو الفاسق.
يقول: وجدير بالتنبيه أنهم إنما كانوا يفعلون ذلك للاحتياط في ضبط الحديث، لا لتهمة أو سوء ظن، وإنما من باب الاحتياط والتحرز في قبول الأخبار.
والكذب منتف من الصحابي، وأما التحرز فخوفاً من سهو الصحابي ووهمه وخطئه، وكل ذلك إنما يصدر عن الصحابي عن غير عمد، فلزم من ذلك أن نتحرز ونحتاط لقبول روايته، وهذا في حالة الشك فيما أتى به الصحابي، لا في كل الأحاديث ولا في كل ما ينقله الصحابي، وإنما في حالة الشك فقط، وإلا فالأصل أن تُقبل رواية الصحابي بلا تحرز أو احتياط أو تصنيف؛ لأنها ليست محلاً للشك، ولا تخالف أصلاً من أصول الشريعة، فهي لا تخالف كتاب الله، ولا حديثاً آخر، ولا غير ذلك من وجوه المخالفة.