[تعريف ابن الجوزي للحديث الحسن]
التعريف الثالث تعريف ابن الجوزي قال: هو الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل ويصلح للعمل به.
فقال: هو الحديث الذي فيه ضعف، ولم يقل: خفة ضبط، والضعف أنواع، منه ما هو شديد، ومنه ما هو متوسط، ومنه ما هو يسير.
فالضعف الشديد لا ينجبر وإن أتى من مائة طريق بمثل هذا الضعف.
والضعف المتوسط ينجبر إن أتى من طرق متعددة.
وأما الضعف اليسير والبسيط فيكفي أن يأتي من طريق آخر على هذا النحو، فهو يدل على أن الحديث في هذه الحالة له أصل، فيرتقي من الضعيف إلى الحسن لغيره.
والفرق بين الحديث الصحيح لذاته والصحيح لغيره: أن أسباب الصحة في الحديث الصحيح لذاته اجتمعت في ذات الحديث، ولم تأته القوة من خارجه، والصحيح لغيره أتته القوة من خارجه.
ومثال ذلك: لو أن هناك أخوين أحدهما فتى شاب يافع قوي، والآخر مريض هزيل، فالأول الذي اجتمعت فيه أسباب القوة والفتوة يخافه الناس؛ لأنه اجتمعت فيه أسباب القوة، وبإمكانه أن يبطش بمن يتعرض له في أي وقت، فأسباب القوة مجتمعة في ذاته هو، ولم تأته من خارج ذاته.
وأما الضعيف فيقول عنه الناس: إنه أيضاً قوي، ولكنه ليس قوياً في ذاته، بدليل أنه لو مات أخوه فسوف يعتدون عليه في كل وقت، وإنما يحترمونه الآن بسبب أن له ظهراً، فأسباب القوة أتت إليه من خارجه، فيقال عن هذا الضعيف: إنه قوي بأخيه وليس قوياً بنفسه، فأسباب القوة أتته من الخارج ولم تأته من ذاته ومن داخله.
وكذلك إذا كان الحديث صحيحاً لذاته، أي: أن أسباب القوة اجتمعت في ذاته هو ولم تأته من خارجه، وإذا كان الحديث صحيحاً لغيره دل ذلك على أن أسباب القوة أتته باجتماع الطرق، فيكون الحديث في أصله حسناً لذاته، ولكنه روي من عدة طرق.
فإذا أتى حديث بإسناد واحد يقل فيه ضبط الراوي شيئاً يسيراً فهو حديث حسن لذاته، ولو أتى من عدة طرق بهذا الوصف فكثرة هذه الطرق تجبر الخلل الذي حصل في ضبط الراوي، وترتقي بالحديث إلى منزلة الصحيح لغيره، ولا نقول عنه: إنه صحيح لذاته؛ لأنه لو كان لذاته فلا بد أن تجتمع أسباب القوة في إسناد واحد، ولكن عندما حصلت هذه القوة بمجموع أسانيد الحديث الواحد دل على أن الصحة كان سببها اجتماع الطرق والأسانيد، فيكون الحديث في هذه الحالة صحيحاً لغيره لا لذاته.
فقوله: هو الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل، أي: أن الحديث الحسن هو: الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل، يعني: يسيراً، فإذا لم يأت هذا الحديث من وجه آخر سمي ضعيفاً؛ لأن فيه راوياً ضعيفاً.
والضعف ثلاثة أنواع، وهذا أخفها، فإذا أتى هذا الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل من وجه واحد سمي حديثاً ضعيفاً، وإذا أتى من طريقين أو بإسنادين سمي حسناً لغيره؛ لأن أسباب الحُسن لم تجتمع في إسناد واحد.
وما يقال من أن الصحيح لغيره هو الحسن لذاته ورد من عدة طرق يقال كذلك في الحسن لغيره والضعيف، ولذلك يعرف العلماء الحديث الضعيف بأنه: ما لم يجمع شروط الصحيح ولا الحسن.
والتعريف الراجح هو: ما لم يجمع شروط الحسن؛ لأنه إذا لم يجمع شروط الحسن فمن باب أولى ألا يجمع شروط الصحيح.
فالحديث الحسن: هو ما فيه راو خفيف الضبط.
وأما الحديث الضعيف: فهو ما فيه راو ضعيف، وليس خفيف الضبط.
والضعيف منه ما يرتقي إلى الحسن لغيره ومنه ما لا يمكن أن يرتقي.
فتعريف ابن الجوزي إنما ينطبق على الحديث الحسن لغيره، وليس على الحديث الحسن لذاته.
الحديث الحسن لذاته أقوى من الحسن لغيره؛ لأن أسباب الحُسن اجتمعت في إسناد واحد، وكذلك الصحيح لذاته أقوى من الصحيح لغيره؛ لأن أسباب الصحة اجتمعت في إسناد واحد.
فالشيخ أراد أن يقول: إن الحديث الحسن هو ما كان فيه ضعف يسير محتمل، وأتى من وجه بنحوه.
هو لم يقل هذا الكلام هنا، لكنه موجود في كتابه الضعفاء.
ثم قال: وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، يعني: مع كل هذا الكلام لم نحدد تماماً ما هو الحديث الحسن.
وأقوال أهل العلم كثيرة في تعريف الحديث الحسن، وهي أكثر من أن تحصى.
يقول: وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح، أي: أن تعريفهم متداخل بعضه في بعض.