للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف الأثر]

الأثر في اللغة هو: بقية الشيء، وهو العلامة الفرعية التي تدل على أصل الشيء وحقيقته، مثل أثر الرجل في الطين، فهو فرع للأصل الحقيقي الذي هو القدم، أو هو أثر للمؤثر الحقيقي وهو القدم، فالأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فلو وجدت بعراً في طريق فإنك تعرف أنه قد مر من هذا الطريق بعير.

وأما في الاصطلاح فقد اختلف أهل العلم اختلافاً عظيماً، فمنهم من يقول: الأثر اسم مفعول بمعنى المأثور، وكل مأثور يطلق عليه اصطلاحاً أثر، وهذا المأثور إما أن يكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو موقوفاً على الصحابي، أو مقطوعاً على التابعي.

وهذا قول المحدثين.

وهو بهذا المعنى مرادف للحديث والسنة؛ لأن جمهور المحدثين يرون أن السنة والأثر والحديث بمعنى واحد.

وخالفهم طائفة قليلة من المحدثين والأصوليين والفقهاء، فقالوا: إنهما متغايران، أي: متباينان ومختلفان: فالحديث: هو ما كان من قول النبي صلى الله عليه وسلم وحده دون سواه.

والأثر: ما أضيف إلى الصحابي من قوله أو فعله.

أي: أن الحديث هو المرفوع من قول النبي صلى الله عليه وسلم، والأثر هو الموقوف من قول الصحابة.

والاختلاف بين العلماء في الحديث والأثر، وهل معناهما واحد أو مختلف خلاف لفظي ليس له أثر في الواقع، مثل الاختلاف في الفرض والواجب بين الجمهور والأحناف، فالأحناف انفردوا عن الجمهور بقولهم: إن الواجب ما ثبت بدليل ظني، والفرض ما ثبت بدليل قطعي، ثم تجد الأحناف أنفسهم عند التطبيق العملي يمثّلون للفرض بالوتر، ويقولون في كتب فروعهم عن الوتر: إنه فرض، وعن السنن: إنها واجبة.

وممن فرق بين الحديث والأثر الإمام الطحاوي، ولكنه خالف هذا المبدأ في كتبه، ففي كتابيه مشكل الآثار وشرح معاني الآثار أورد المرفوع والموقوف، مع أنه عنون لهما بالآثار، ولو كان الأثر ما كان موقوفاً لكان يجب عليه ألا يورد في هذا الكتاب إلا ما كان موقوفاً فقط، ولكنه خالف ذلك وأورد في كتابيه الحديث المرفوع والأثر الموقوف، وتنازل عن مصطلحاته، وأهل العلم عند العمل يخالفون مصطلحاتهم، فينبغي علينا أن نكون على دراية وعلم بمصطلحات أهل العلم حتى لا نقع في محذور.

<<  <  ج: ص:  >  >>