وقد اختلف العلماء فيمن عُرف بالتدليس، فقال بعضهم: التدليس علة لجرح الراوي المدلس، قالوا: وبناء عليه يرد حديث المدلس مطلقاً؛ لأنه مجروح، سواء صرح بالسماع أو لم يصرح.
هذا على العموم، وذلك مثل ما لو كان الراوي ضعيفاً بسبب أنه سيئ الحفظ، فلو قال هذا الراوي الضعيف الذي اتهم بسوء الحفظ: حدثني فلان فحديثه ضعيف؛ لأنه سيئ الحفظ، وبناء عليه حُكم عليه بالضعف، فكذلك المدلّس عند هذا الفريق، فالتدليس يجرح صاحبه، فلو قال المدلس: حدثني فلان، فهذا الحديث عند قوم مردود، رغم أنه قال: حدثني؛ لأن التدليس علة كافية في ضعف الراوي، أي: في رد روايته، كما أن سوء الحفظ يجعل الراوي ضعيفاً.
وهذا الرأي غير صواب.
وقال بعضهم: التدليس كله مقبول الجيد والسيئ منه؛ لأن التدليس عبارة عن إرسال، أي: إطلاق بلا قيد، فلم يقيد الراوي الرواية وإنما أطلقها.
وهذا الرأي ضعيف.
وقال بعضهم بتقسيم المدلسين إلى خمس طبقات، وهذا هو الصحيح.
فهناك من لم يثبت عنه أنه دلّس إلا مرة أو مرتين، وهو أصلاً إمام جليل كبير، كـ يحيى بن سعيد، فقد روى أحاديث كثيرة ولم يثبت أنه دلّس إلا مرة أو مرتين، ولا نعرف هذين الحديثين، ولن نجد من يعرفهما، ففي هذه الحالة يشهد المنطق والعقل وكل شيء بقبول الحديثين وعدم رد أحاديثه.