بعد أن دون ابن شهاب الزهري علم الحديث وجمعه من الصحف وغير ذلك، عُني بوضع أصول علم الحديث الذي كان في عصره، وبيّن حدود الحديث المقبول من المردود، حتى قيل: إنه واضع علم مصطلح الحديث.
وقد قلنا: إن علم مصطلح الحديث له جذور في الكتاب والسنة، وله جذور أيضاً عند الصحابة، وكذلك علم الجرح والتعديل له جذور في الكتاب والسنة، وعند الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ لأنهم تكلموا في الرجال.
والإمام الشافعي أول من صنّف في علم أصول الفقه في كتاب الرسالة.
ولكن لا يقال: إن الشافعي هو أول من فهم وفقه وعرف هذا العلم، فقد كان هذا العلم معروفاً سليقة عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
فهناك فرق بين العلم بالشيء وبين تدوينه، فالعلم بأصول الفقه كان معروفاً عند من تقدم على الشافعي، ولكنه لم يدون كتابة إلا على يد الشافعي، وكذلك علم أصول الحديث كان معروفاً قبل الزهري من زمن فتنة الخوارج والشيعة، والفرق بين زمان الزهري وزمان علي بن أبي طالب طويل، وبناء عليه لا يمكن أن يقال: إن الزهري أول من عرف علم أصول الحديث، ولكن يقال: إنه أول من اعتنى به وسطره كعلم من العلوم.